البث المباشر

تصعيد غير مسبوق بين الرياض وأبوظبي

الأربعاء 31 ديسمبر 2025 - 11:32 بتوقيت طهران
تصعيد غير مسبوق بين الرياض وأبوظبي

تخشى السعودية من تطورات شرق وجنوب اليمن، وتعتبرها موجهة ضدها بالكامل. ومن ناحية أخرى، تشير الأدلة والشواهد إلى أن إسرائيل هي من تدير اللعبة خلف الكواليس.

بعد سنوات من التكهنات والتحليلات الإعلامية المختلفة حول الخلافات الخفية بين الرياض وأبوظبي، لم تترك أحداث اليوم في اليمن أي مجال للشك في عمق الفجوة بين البلدين.

لأول مرة في التاريخ، قصفت الطائرات الحربية السعودية سفناً إماراتية في جنوب اليمن، وصرحت وزارة الخارجية السعودية بوضوح في بيان أن تصرفات الإمارات تهدد الأمن الوطني للمملكة.

على الرغم من أن مثل هذا التطور على الساحة اليمنية كان متوقعاً دائماً، وقد تحدثت تقارير عديدة عن وجود صراعات وخلافات خلف الكواليس بين السعودية والإمارات، إلا أن حدتها ونطاقها قد بلغا الآن مستوىً أجبر السعوديين على اتخاذ مثل هذه الإجراءات العلنية.

بالإضافة إلى ذلك، فإن تطورات أخرى في المنطقة والمصادر التي تتحدث عن دور إسرائيل الواضح في الساحة اليمنية تشير إلى أننا نواجه مخططاً أوسع نطاقاً، صُمم ليس في الرياض ولا في أبوظبي، بل في غرف التخطيط الإسرائيلية.

منذ أن بدأ عناصر المجلس الانتقالي الجنوبي (المرتبط بالإمارات) هجماتهم في حضرموت والمهرة في 2 ديسمبر، هذه هي المرة الأولى التي تستهدف فيها السعودية الإمارات بهذه الوضوح والصراحة عملياً وإعلامياً، مما يدل على أن المملكة العربية السعودية قلقة بشدة مما يحدث في البلد الجنوبي المجاور لها.

قد أعلنت السعودية في بيانها أن الإمارات، من خلال ممارسة الضغط على قوات المجلس الانتقالي الجنوبي، وجهتهم لتنفيذ "إجراءات عسكرية على الحدود الجنوبية للمملكة"، وهي إجراءات تشكل -بحسب الرياض- تهديداً مباشراً للأمن الوطني للبلاد وكذلك لأمن واستقرار اليمن والمنطقة بأكملها.

 

الستار الأول: تحالف إسرائيل والإمارات ضد السعودية

في هذا السياق، يجب العودة إلى أسبوعين مضيا، حيث كتب موقع "ميدل إيست مونيتور" في تقرير أن العلاقات داخل مجلس التعاون الخليجي (الفارسي) تواجه انقسامات عميقة، وتضع "وحدة دول المجلس" أمام اختبار غير مسبوق.

ونقل الموقع عن مسؤول كبير مرتبط بإحدى العائلات المالكة في المنطقة، أن الصراعات الخفية والتحالفات المتغيرة تجاوزت حدّة الخلافات التقليدية ووصلت إلى حدود الصراع الجيوسياسي بين القوى الإقليمية.

ثم كشف هذا المسؤول العربي عن موضوع جديد، وتحدث عن تحالف إسرائيل والإمارات لمواجهة السعودية، قائلاً:

"تحدث مفاجأة كبيرة، والتعاون السري والمتزايد بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة يسعى لإضعاف الدور التقليدي للمملكة العربية السعودية كقوة مسيطرة في الخليج".

وأضاف أن هذا التحالف السري يسعى لإعادة تعريف موازين القوى في المنطقة، ومعاقبة الرياض على "بطئها" في مسار التطبيع مع إسرائيل من خلال اتفاقات "إبراهيم".

وأكد أن "الصور التي تُروّج عن تماسك دول الخليج الفارسي، ما هي إلا واجهة إعلامية مصقولة، وخلفها تختبئ منافسات مريرة، ونزاعات على النفوذ، وخيانات متبادلة بين العواصم".

تكشف هذه المعلومات أن مفهوم "بيت الخليج الفارسي الواحد" معرض للانهيار، ويُطرح احتمال تقسيم المجلس إلى معسكرين: أحدهما محافظ بقيادة السعودية قد تنضم إليه قطر وعُمان، والآخر يتجه نحو تغييرات جذرية والتطبيع بقيادة الإمارات، بصحبة البحرين والكويت.

 

الستار الثاني: مصالح إسرائيل من تأسيس دولة جنوب اليمن

وصف المعهد الإسرائيلي لدراسات الأمن القومي (INSS) في تقرير تحليلي، التطورات العسكرية والسياسية الأخيرة في المحافظات الجنوبية لليمن بأنها "تغيير استراتيجي ودراماتيكي"، وقال إنها قسمت اليمن عملياً إلى شطرين شمالي وجنوبي.

يركز الجزء المحوري من تقرير المعهد على تداعيات هذه التطورات على الكيان الصهيوني.

وكتب "جوزانسكي" بهذا الصدد:

"لن تزول تهديدات القوى الحاكمة في صنعاء على المدى القصير"، لأن تقسيم اليمن يمكنهم من ترسيخ سيطرتهم في الشمال. ومع ذلك، يؤكد التقرير أن "نافذة فرصة استراتيجية" قد فُتحت.

وأشار التقرير إلى أن "تشكيل كيان جنوبي مستقر بدعم إماراتي، يسيطر على ميناء عدن الاستراتيجي بالقرب من باب المندب، يمكن أن يحد من نفوذ إيران في واحدة من أخطر الساحات البحرية على أمن إسرائيل".

كما أفادت القناة 11 الإسرائيلية ، بأن تل أبيب تدرس الاعتراف بدولة جنوب اليمن في حال تشكيلها.

وكان "عيدروس الزبيدي" رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي قد أعلن في عام 2021 ثم مرة أخرى في سبتمبر 2025، أنه في حال الاعتراف بجنوب اليمن كدولة مستقلة، فإنهم مستعدون للانضمام إلى "اتفاقية إبراهيم" وإقامة علاقات مع إسرائيل.

وبالتالي، في حال تشكيل مثل هذه الدولة، يمكن للكيان الصهيوني أن يراقب عدة مناطق بحرية من بحر مكران إلى باب المندب. نضيف إلى ذلك اعتراف تل أبيب مؤخراً بـ "أرض الصومال" التي تطل تماماً على باب المندب.

 

الستار الثالث: جنوب اليمن.. الضربات الأخيرة على أحلام الرياض القديمة

شكل اليمن، الجار الجنوبي للسعودية، منذ وقت طويل منطقة محورية في المعادلات الجيوسياسية للخليج الفارسي. فهذه الدولة لا تمتلك فقط حدوداً طويلة مع السعودية تبلغ حوالي 1800 كم، بل إن موقعها الجغرافي يتيح السيطرة على مضيق باب المندب والوصول إلى بحر العرب.

بالنسبة للرياض، اليمن هو أكثر من مجرد جار؛ إنه بوابة إستراتيجية لأمن الطاقة، وتوسيع النفوذ الإقليمي، وتقليل الاعتماد على طرق التصدير عالية المخاطر.

تُظهر حرب اليمن منذ 2015، التي قادت فيها السعودية التحالف ضد أنصار الله، عمق هذه الأهمية. لكن جذور اهتمام السعودية باليمن تعود إلى عقود مضت، حيث سعت الرياض للحصول على منفذ مباشر إلى المياه الجنوبية لليمن لتقليل اعتمادها على مضيق هرمز.

هذا المضيق، الذي يمر عبره أكثر من 90% من صادرات النفط السعودي، يقع تحت النفوذ الإيراني، وأي تعطيل فيه يمكن أن يشل الاقتصاد السعودي.

أحد الجوانب الرئيسية لهذه الإستراتيجية، هو التركيز على محافظتي حضرموت والمهرة في شرق اليمن. فحضرموت، التي تشترك بحدود 684 كم مع السعودية، تحتوي على حوالي 80% من الاحتياطيات المؤكدة للنفط في اليمن. هذه المحافظة ليست غنية بالموارد النفطية فحسب، بل يسمح موقعها الجغرافي للسعودية بالوصول إلى بحر العرب (مكران).

تلعب المهرة، المتاخمة لعُمان، دوراً مكملاً وتعتبر نقطة خروج مثالية لأنابيب النفط. لطالما سعت السعودية لعقود لخطط بناء خط أنابيب من حقولها النفطية عبر "خاركير" في حضرموت إلى ميناء "النشطون" في المهرة.

يعود أصل هذا المشروع، إلى عهد علي عبد الله صالح (الرئيس اليمني السابق)، وتضمن اقتراح ممر بري بطول 300 كم لينقل النفط السعودي مباشرة إلى بحر العرب متجاوزاً مضيق هرمز.

مثل هذا الوصول لا يوفر مساراً بديلاً آمناً للسعودية فحسب، بل أيضاً لدول خليجية أخرى مثل العراق والكويت والبحرين، ويعزز هيمنة الرياض في المنطقة. الآن يمكننا فهم سبب حزم السعودية في التعامل مع تحركات الإمارات في اليمن، ولماذا غضبت السعودية إلى هذا الحد.

في الختام، يجب القول إن الدول العربية في الخليج الفارسي دخلت مرحلة إعادة تعريف كاملة للولاءات والتحالفات؛

مرحلة تشبه "سايكس-بيكو" سياسية جديدة لن تقف السعودية مكتوفة الأيدي أمامها، وتُنذر بتطورات أعمق في خريطة المنطقة في السنوات المقبلة.

 

تسنيم

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة