البث المباشر

شرح فقرة: يا من يحب الصابرين

الإثنين 2 سبتمبر 2019 - 10:45 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة: " يا من يحب الصابرين " من دعاء الجوشن الكبير.

 

لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير)، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من يُحِبُّ الصَّابِرِينَ، يا من يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، يا من يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، ...).
ان هذه العبارات وما شابهها وما يلحقها تظل خاضعة لمحور هو عبارة (يا من يحب) حيث يطرح المقطع جملة من انماط السلوك المرتبط بما يحبه الله تعالي، ومنه (يا من يُحِبُّ الصَّابِرِينَ). اذن لنقف عند هذه العبارة اولاً من البين، ان السلوك البشري قائم علي الصراع بين الخير والشر، بين ما يطالبنا به الله تعالي من الممارسات الايجابية، وبين ما يوسوس به الشيطان لاغواء الشخصية وحملها علي الممارسة السلبية وبين ايضاً، ان الممارسات السلبية تقترن باغراءات تتطلب من الشخصية الواعية والسليمة (تأجيلاً) لشهواتها، وهذا التأجيل للشهوات يتمثل في عملية (الصبر) حيالها، اي: الصبر علي الشدة، وهو مبدأ قد اقرته الاتجاهات المنعزلة عن الله تعالي ايضاً، حيث لامناص من تأجيل الشهوات لمطلق الاشخاص فيما لا يمكن البتة بان تحقق السخصية اشباعاًَ لجميع حاجاتها المشروعة وغير المشروعة والمهم هو: بصفتنا أسلاميين يتعين علينا الصبر حيال الشدائد في ضوء مارسمه الاسلام من المبادئ المرتبطة بهذا الجانب، من هنا فان العبارة القائلة: (يا من يُحِبُّ الصَّابِرِينَ) تعني ان الله تعالي يحب الشخصية الصابرة، المؤجلة لشهواتها، المتحملة لشدائد الحياة، حتي يثيبها في الأخرة، وحتي في الحياة الدنيا، بصفة ان مع العسر يسراً: كما هو واضح. بعد ذلك تواجهنا عبارة (يا من يُحِبُّ التَّوَّابِينَ)، فماذا نستلهم منها؟ 
من البين ايضاً، ان التوبة هي ندم علي ماصدر من الانسان من المعصية اي: الانصياع للشهوات الممنوع اشباعها مادامت غير مشروعة وهوامر يتصل بما سبق ان اوضحناه الآن من ان تأجيل الشهوات المتمثل في الصبر قد لايوفق اليه الانسان: فيمارس المعصية، ولكن بما ان الانسان في الآن ذاته له قابلية ومرونة علي تلافي ما يصدر عنه من المعصية: حينئذ فان التوبة هي خياره الذي رسمه الله تعالي حتي يقلع عن الذنب، وعندئذ فا الرحمة من الله تعالي - وهي رحمة لا تصور لحدودها - سوف تلحقه، ومن ثم يصبح التائب من الذنب وكأنه لاذنب له. وهنا يحسن بنا ان نحلل ظاهرة الندم علي المعصية ومعطياتها التي تفسر لنا سببية قبول التوبة وانعكاساتها علي الشخصية. 
من الحقائق الواضحة في ميدان السلوك، ان الشخصية تمتلك جهازا قيميا فيها لقوله تعالي «فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا» مضافاً الي ان هذا الجهاز اساساً ينزع الي الخير، تبعاً لقوله تعالي «حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ»، اذن الشخصية تبعاً لهذه الآية المباركة تنزع الي الخير، وتكره الشر، وهذا ما يجعلها - في لحظة ضعفها الذي جرها الي الشر - تسارع الي عمل الخير فيما بعد، وتندم علي ما صدر منها من الشر، وعندها: تتطهر الشخصية من الذنب، وتتوب الي الله تعالي لذلك نجد ان العبارة التي تعقب عبارة (يا من يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) هي: (يا من يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)s، بصفة ان التائب هو يتطهر من الذنب، وهذا احد أسرار البلاغة التعبيرية في الادعية، حيث تترابط العبارات عضوياً، بالنحو الذي اوضحناه. 

*******

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة