نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الجوشن الكبير، حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه البادئة بما يأتي: (يا من جعل الارض مهاداً، يا من جعل الجبال أوتاداً، يا من جعل الشمس سراجاً، يا من جعل القمر نوراً، يا من جعل الليل لباساً، يا من جعل النهار معاشاً). 
هذا المقطع، حدثناك عن بعض عباراته، وانتهينا في احاديث سابقة الي عبارة (يا من جعل الشمس سراجاً، يا من جعل القمر نوراً)، وواعدناك بان نحدثك عن النكات البلاغية في العبارتين اللتين تتضمنان (السراج) و (النور)، اي النكتة الكامنة وراء التعبير عن الشمس بـ (السراج) وعن القمر بـ (النور).
انّ التعبير عن (الشمس) بـ (السراج)، أي: جعل السراج، رمزاً للشمس، يدعنا نتساءل: لماذا يتحسس قارئ النص القرآني الكريم او الدعاء الذي نتحدث عنه بان الشمس وهي الكوكب الضخم: يرمز له بـ (السراج)؟ 
السراج في اللغة هو المصباح والمصباح أو السراج جهاز بسيط يعتمد علي الزيت والخيط في الانارة، تري ما هي النكتة الكامنة وراء تشبيه الشمس بالسراج. 
الجواب: في تصورنا الاحتمالي بطبيعة الحال، ولكل متذوق ان يستخلص ما تسمح به خبراته، وحينئذ نقول: ان الشمس حينما ننظر الي حجمها نجدها بحجم السراج تقريباً، ولكن الفارق هو: ان الشمس تضئ الوجود باكمله، والسراج يضئ مكاناً محدوداً، ولكن حتي المكان المحدود يظل حجم انارته كبيراً يعد بالامتار مثلاً قبالة السراج الذي يعد بالسنتمترات مثلاً، اذن النسبة بين حجم السراج وحجم الانارة كبيرة، وهو ما يتناسب - من حيث الرمز او الاستعارة او التشبيه - مع النسبة الكبيرة بين حجم الشمس بالنسبة الي الرائي بطبيعة الحال وليس بالنسبة الي حجمها الواقعي، اذن التجانس بين السراج والشمس قد اتضح علي النحو الذي لاحظناه. 
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من جعل الليل لباساً) وعبارة (يا من جعل النهار معاشاً). فماذا نستخلص منها؟ 
بالنسبة الي عبارة (يا من جعل الليل لباساً) فان الرمز الفني لهذه الصورة الادبية هو: ان اللباس هو ما يغطي الشيء ويستره، وبالنسبة الي الليل، فان الظلام الذي يلفة يظل بمثابة الساتر لضوء النهار، وحينئذ فان النكتة الفنية أو البلاغية تتضح بجلاء من حيث العلاقة بين الليل ولباسة، وبين النهار وضوئه. 
بقي ان نشير الي نكتة اخري وهي: الصلة بين العبارة اللاحقة لسابقتها وهي: (يا من جعل النهار معاشاً) وبين (الليل ولباسه)؟ 
هذا من جهة ومن جهة اخري سنلاحظ عبارة ثالثة وهي (وجعلنا نومكم سباتاً) وهذه العبارة مع عبارة (يا من جعل الليل لباساً)لابد وان نكشف عن نكتة اخري، ثم ان صلة كل منهما اي: الليل ولباسه، والليل ونومه، او النوم مطلقاً وعلاقته بالليل وبالنهار وليس بالليل وحده. هذه الظواهر واستكشاف نكاتها تتطلب حديثاً خاصاً نؤجله الي لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالي.

*******