نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الآن عن أحد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا من يحول بين المرء وقلبه، يا من لا تنفع الشفاعة الا بإذنه) ونقف عند عبارة: (يا من يحول بين المرء وقلبه) وهنا نتساءل: مالمقصود من العبارة المتقدمة؟
من الممكن ان يستخلص قارئ العبارة القائلة: (يا من يحول بين المرء وقلبه) جملة دلالات عرض لها المعنيون بهذا الشأن ولكن بحسب تصورنا القاصر بأن المقصود من ذلك هو: ان الله تعالي يمنع أو يحجز الشخصية من ان تحقق ما تتمناه من الظواهر. كيف ذلك؟ ان المرء ينوي او يعتزم بان يقوم بعمل ما ولكن الله تعالي يتدخل فيمنع تحقق ذلك. لماذا؟
الجواب: ان الله تعالي هو الحكيم العارف بمصلحة عبده فقد يحب العبد شيئاً ما ولكن الله تعالي يكره ذلك لمعرفته تعالي بما هو في صالح العبد المذكور وقد يكره العبد شيئاً ما ولكن الله تعالي يعلم بان المصلحة او الخير في العكس من ذلك.
والمهم ان الله تعالي وهو يحب عباده لا يصنع لهم ولا يقسم لهم إلا ما هو الخير، لذلك اذا كان العبد قد عزم علي شيء ليس من مصلحته، فان الله تعالي يحول بين العبد وبين ما عزمه او نواه من العمل.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من لا تنفع الشفاعة الا بأذنه) وهذا النص هو تناص أو اقتباس او تضمين للنص القرآني الكريم الذاهب الي انه تعالي لا يشفع الا باذنه تبعاً لقوله تعالي «مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ» كما ورد في نص آخر انه لا يقبل الشفاعة الا ممن ارتضي والمهم الآن هو: مفهوم الشفاعة وما تعنيه من الدلالات. فماذا نستلهم من ذلك!
الشفاعة هي باختصار: التوسط لدي الله تعالي لصالح هذا العبد او ذاك، ومن الطبيعي ان الله تعالي مادام عارفاً بما تتطلبه المصلحة من الامر فأن الشفاعة لا تتم الا بأذنه تعالي في حالة ما اذا ناسب الموقف شفاعته تعالي ولعل اهم المعطيات المترتبة علي الشفاعة هي: الشفاعة التي يتولاها الاربعة عشر معصوماً فيما تكشف عن مدي محبتهم (عليهم السلام) لمن والاهم والتزم بمبادئهم التي رسمها تعالي.
كما لا نغفل عن الدور الذي أشارت النصوص الي بعض اصحابه: كالشخصيات الخيرة او الاصدقاء حيث اشارت النصوص الواردة عنهم (عليهم السلام) ان هؤلاء الاتقياء أو الاصدقاء وسواهم يشفعون لدي الله تعالي للمئات والالاف: تيمّناً من الله تعالي اشخصياتهم الملتزمة بطاعته تعالي.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا من هو اعلم بمن ضل عن سبيله) وبالقابل هو ايضاً اعلم بمن اهتدي: كما وردت النصوص بذلك وما يعنينا الان هو: ماذا نستلهم من العبارة المتقدمة؟
لا نحتاج الي كثير تأمل حتي ندرك سريعاً بان الله تعالي هو العالم مطلقاً بكل شيء، ومن ذلك الاشخاص الذين ضلوا عن سبيل الله تعالي وانحرفوا عن الالتزام بمبادئ الله تعالي ورسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته، حيث ان المنحرف عنهم انما هو ضال دون ادني شك كما نطقت النصوص الشرعية المتنوعة بذلك.
*******