لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها دعاء (الجوشن الكبير) حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك الان عن احد مقاطعه الذي ورد فيه: (يا سيدنا، يا مولانا، يا ناصرنا، يا حافظنا، ...) ولنقف عند عبارتي (يا سيدنا، يا مولانا). فماذا نستخلص منها؟
(السيد) هو من شرف ومجد وغلب وساد وتسلط علي الاخرين، من هنا حينما يقول النص (يا سيدنا) فهذا يعني: يا من هو المسيطر علينا، والسائد علينا والمتفرد في سيادته واما (المولي) فهو المالك والمنعم، وحينئذ فان الفارق هو: ان (السيد) يتداعي بالذهن الي المسيطر والمهيمن او المتسيد علي الوجود واما (المولي) فهو (المالك) او هو الذي يتولي الامر والسؤال هو ان النكتة في انتخاب هذين المظهرين المتجانسين والمتفاوتين ان العبد بحاجة الي سيده، اي ينتهي الي سيده الذي هو تحت امرته، تعالي يتصرف حياله، ويخضع لاوامره، واما (المولي) فيعني: ان العبد بحاجة الي من يتولي اموره، وينعم عليه بنعمة التي لا تحصي.
اذن العبد بحاجة الي من ينتسب اليه ويسيطرعلي وجوده، والي من يتولي اموره، وكل مظهر من ذاك وهذا يجسد حاجة العبيد الي سيدهم والي مولاهم.
بعد ذلك يواجهنا مظهران هما: (يا ناصرنا، يا حافظنا) هذان المظهران بدورهما متجانسان ومتفاوتان. كيف ذلك؟ ان الله تعالي (ينصر) عبده علي الشدائد التي يعاني منها (ينصره علي عدوه مثلاً، ينصره علي مكائد الشيطان مثلاً) ينصره في اداء رسالته او وظيفته العبادية التي خلق الانسن من اجلها وهكذا.
فاذا (انتصر) علي هذه الشدائد عندها يجيء الدور الاخر وهو (حفظه) من الشدائد اي يحجز الشدائد عنه ولا يسمح بايصال الاذي اليه، فمثلاً ينصره تعالي علي الشيطان الرجيم عندما يصارع العبد الشيطان الذي يزين المعصية للانسان، ينصره تعالي علي ذلك فلا يعصي واما المرحلة الثانية فيحجزه تعالي اساساً من التعرض للمعصية وهذا هو (الحفظ) مقابل (النصر) وبكلمة اكثر وضوحاً: في مرحلة النصر -يا ناصرنا- ينصر تعالي عبده علي تجاوز المعصية، وفي المرحلة الثانية (الحفظ) - يا حافظنا- يحرسه تعالي من التعرض للمعصية ولذلك ورد في الحديث ما معناه: من العصمة تعذر المعاصي اي: لا يوجد مجال للمعصية في حالة ما اذا اراد الله تعالي لعبده ان يحجزه عن ذلك.
بعد ذلك نواجه عبارة (يا دليلنا يا معيننا). هاتان العبارتان بدورهما: متجانستان ومتفاوتتان. كيف ذلك؟ الدليل هو من يرشدك في طريقك الذي تسير فيه فمثلاً تستعين بالنور في الظلام، فتسير في طريقك الي ان تصل الي الهدف او المكان المقصود في مثل هذه الحالة قد تواجهك متاعب: كالسير نفسه حيث ان السير علي الاقدام متعب، ومتاعب اخري كالحاجة الي الغذاء والشراب، وهكذا. حينئذ فانت بحاجة الي (معين) ييسر لك الراحة والغذاء ونحو ذلك وهذا ما تسحب عليه عبارة (يا معيننا) بينما كانت العبارة السابقة عليها هي يا دليلنا وهذا يعني: انك بحاجة اولاً الي دليل يرشدك الي معالم الطريق وبعدها انك بحاجة الي من (يعينك) في متاعب الطريق.
اذن عبارتا (يا دليلنا، يا معيننا) تضطلعان بتوضيح ما المحنا اليه الان وهذا يعني اننا امام اساليب بلاغية لها طرافتها بالاضافة الي الموضوع الرئيس وهو:عنايته تعالي بعبده بالشكل الذي اوضحناه.
*******