لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها الدعاء الذي افتتح بما ياتي: (اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، وركنك الذي لا يرام، وباسمائك العظام، صل على محمد وآله، ... الخ) . هذا المقطع من الدعاء يتناول التوسل بالله تعالى في اغداق رعايته على قارئ الدعاء في جملة مظاهر بدأها بعبارة: (اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام) ، فماذا نستلهم من ذلك؟
ان العبارة المتقدمة تتوسل بالله تعالى بان يحرس عبده، والسؤال هو: ما هي اللغة التي استخدمتها الزهراء (عليها السلام) في التوسل المذكور؟ اي: الحراسة بعين الله تعالى التي لا تنام . اذن لنتحدث عن هذا الجانب. الرعاية الالهية او الحراسة في هذا الميدان تعني: حفظ الانسان من كل سوء يخطر على البال. طبيعياً: الاسواء قد تعني: ما يضر الانسان في آخرته او دنياه، كما ان بعض ما يصطلح عليه بالسوء قد يكون في صالح الشخصية، سواء كان ذلك عقاباً عاجلاً حتى تعفى الشخصية من العقاب الاخروي او كان زيادة في درجة الشخصية عبادياً.
طبيعياً قد يقول البعض ان السوء لا ينسحب الا على ما هو سلبي، فلا يصح في الشدة الاختبارية او الامتحانية التي هي في صالح الشخصية، الا اننا نجيبب عن ذلك قائلين: ان الله تعالى استخدم عبارة (السوء) في قوله تعالى: «وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ» فالسوء هنا هو: التدقيق والمؤاخذة على الصغيرة والكبيرة وهي: تتلاءم مع مفهوم (العدل) الا ان (عدل) الله تعالى يعني: انزال العقاب الحق، وهو ما نفاه الله تعالى حين دربنا على ان نقول مثلاً: (اللهم لاتعاملنا بعدلك بل برحمتك) ، بمعنى: ان رحمته تعالى واسعة بحيث يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا.
المهم ان فقرة الدعاء المذكورة تتوسل بالله تعالى بان يحفظنا من كل سوء مهماً كان نمطه، وهذا ما يتلائم مع طبيعة الدلالة اللغوية للسوء. اما الان فنحدثك عن الدلالات العميقة لهذه العبارة، اي (احرسنا بعينك التي لاتنام) ، فماذا نستلهم منها؟
ان الله تعالى هو الْحَيُّ الْقَيُّومُ الذي لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ، والدلالة التي نستخلصها من عبارة «لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ» او عبارة(عينك التي لاتنام) هي: عبارة رمزية ودافعية في آن واحد، فالله تعالى لا تنسحب عليه، الظواهر المادية (اي: الحدوث مقابل الازلية)، لذلك لاَ نَوْمٌ ولا سواه ينسجب على الله تعالى، ولكن الزهراء (عليها السلام) استخدمت عبارة (عينك التي لاتنام)استخداماً (رمزياً) بصفة انه تعالى منزه عن الحدوث وهو (العين) المادية، وهذا ما اقتادنا الى ان نقول ان العبارة المتقدمة رمزية ايضاً والمهم هو: الدلالة العميقة للعبارة، لذلك نتساءل من جديد: ما هي دلالاتها الواسعة؟
الجواب: ان الدلالة من الوضوح بمكان، فالله تعالى مادام حياً لا يغفل لحظة عن الوجود، عندئذ فان الله تعالى حينما يحرس عبده من السوء: فمعناه: ان العبد يتوسل بالله تعالى بالا يتخلى الله تعالى لحظة واحدة عن عبده القارئ للدعاء بحيث يحرسه من السوء في مختلف مستوياته واشكاله، صغير كان او كبيراً، الخ. اذن الدلالة من الوضوح بمكان، انها تتوسل بالله تعالى بان يحرسنا من الاسواء جميعاً، وهذا ما يتوافق وسعة رحمة الله التي لاحدّ لها.
ختاماً، نساله تعالى ان يحفظنا من كل سوء، وان يوفقنا الى الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******