والْحَمْدُ لِلَّهِ ذو الفضل والإنعام والمن والإحسان إذ أنعم علينا بموالاة ومحبة رحمته الكبري للأنام محمد المختار وآله الاطهار صلوات الله عليهم آنَاء اللَّيْلِ وطْرَافَ النَّهَارِ.
السلام عليكم مستمعينا الكرام ورحمة الله وبركاته، يسرنا أن نكون معكم أعزائنا في حلقة أخري من هذا البرنامج نستنير فيها بأحد المقاطع الأخيرة من دعاء المعرفة الجليل المأمور بالإهتمام بتلاوته في عصر الغيبة جاء في هذا المقطع: (اللهم ولا تجعلني من خصماء آل محمد (عليهم السلام)، ولا تجعلني من أعداء آل محمد (عليهم السلام)، ولا تجعلني من أهل الحنق والغيظ علي آل محمد (عليهم السلام)، فإني أعوذ بك من ذلك فأعذني وأستجير بك فأجرني، ... يا أرحم الراحمين).
يعلمنا مولانا الإمام المهدي (سلام الله عليه) في هذا الدعاء أن نعوذ بالله ونستجير به تبارك وتعالي لكي لا نكون من خصماء آل محمد وأعدائهم (عليهم السلام) ولا من أهل الحنق والغيظ عليهم.
فنحن هنا أمام ثلاث سلوكيات يحذرنا الإمام (عليه السلام) من تبعاتها ويأمرنا بالإستعاذة بالله منها، هي: الخصومة، والعداوة، والحنق والغيظ علي محمد وآله (عليهم السلام)، فما هو المقصود بكل منها؟
في الإجابة عن هذا السؤال نقول: إن معني الخصومة قريب من معني العداوة، ولكن ذكرهما معاً هنا إشارة إلي اجتناب حالتين التعامل مع أهل بيت النبوة (عليهم السلام)، الحالة الأولي هي حالة الخصومة التي تشترك مع العداوة في مفهوم النزاع ولكنها تتميز عنها بأنها - أي الخصومة - تكون نزاعاً مقترناً بالمجادلة والسعي للإساءة إلي المنزلة المعنوية للطرف الآخر وإضعاف آرائه ومعتقداتها ونظائر ذلك.
وعليه يكون معني اجتناب أن نكون من خصماء آل محمد (صلي الله عليه وآله) هو اجتناب منازعتهم في مقاماتهم التي حباهم الله بها، وكذلك اجتناب الجدال معهم والتورع عن الإساءة إلي مقاماتهم المعنوية التي طاب ذكرها في الأمة الإسلامية بمختلف مذاهبها.
أيها الإخوة والأخوات، أما معني العداوة فهو أوسع من الخصومة ويشمل معاني البغض والنزاع والقيام بأي عمل فيه إساءة إلي الطرف الآخر والسعي لإيذائه.
ويبدو من كلمات علماء اللغة، أن الأصل في معني الخصومة هو النزاع اللساني والحقوقي كترافع للقضاء، أو عرض الإحتجاجات ونظائر ذلك.
أما في العداوة، فالأصل هو النزاع العملي والسعي للإضرار بالعدو بجميع الوسائل المتاحة.
والمهم للمؤمن أن يستجير بالله عزوجل من أن يقع في مخاصمة أو معاداة محمد وآل محمد (عليهم السلام) لأن مخاصمتهم تعني نزاع وجدال مع الله عزوجل واعتراض علي حكمته تبارك وتعالي، كما أن معاداتهم تعني معاداة الله جلت قدرته والإضرار به - أي بكل ما ينسب إليه من شرائع وقضاء، رسل وأنبياء وأولياء وغير ذلك.
ولكل ذلك عواقب وخيمة تستتبع الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ في الدنيا والآخرة، وهذه العواقب تتناسب مع مراتب هذه الخصومة والعداوة، ومع كون هذه الخصومة المقصودة أو غير مقصودة، ظاهرة أو خفية والمهم للمؤمن أن يجتنبها جميعاً.
مستمعينا الأكارم، أما السلوكية الثالثة التي نستجير بالله عزوجل منها فهي أن نكون من أهل الحنق والغيظ علي محمد وآله (عليهم السلام).
ومعني الحنق هو الغضب الناشئ من الحقد وما شابهه، أما الغيظ فهو تأجج نار الغضب.
وعليه يكون المعني أننا نعوذ بالله عزوجل من أن يكون في صدورنا شيء من الحقد والغضب علي محمد وآل محمد (عليهم السلام).
إذ أن ذلك يعني السقوط في مهاوي سخط الله عزوجل وغضبه تبارك وتعالي، فهم مظهرون لأمر الله ونهيه ومجسدون لأخلاقه السامية المفعمة بالرحمة والرأفة، وإذا حكموا بين الناس حكموا بالعدل فلا يغضب عليهم إلا من وجد الشيطان إلي نفسه سبيلاً فكره له الحق وحبب إليه الفسوق والعصيان أجارنا الله وإياكم من ذلك بحرمة التمسك بولاية محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
نشكر لكم أعزائنا مستمعي إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران طيب الاصغاء لحلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) إلي لقائنا المقبل نستودعكم الله ودمتم بألف خير.