البث المباشر

شرح فقرة: "والمسلمين لأحكامه،..."

السبت 3 أغسطس 2019 - 10:30 بتوقيت طهران

 

والْحَمْدُ لِلَّهِ الغفور الرحيم وأطيب صلواته علي أعلام صراطه المستقيم وينابيع فضله العميم سيد الرسل محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أحبتنا ورحمة الله وبركاته، علي بركة الله نلتقيكم في وقفة تأملية جديدة نستلهم فيها دروس الولاء الصادق العبودية الحقة من أدعية أهل بيت الحكمة والرحمة والنبوة (عليهم السلام).
نتابع في لقاء اليوم من برنامج ينابيع الرحمة التدبر معاً في عبارة أخري من المقطع التالي من دعاء المعرفة المندوب لتلاوته في عصر غيبة خاتم الأوصياء بقية الله المهدي (أرواحنا فداه)، والمقطع هو الذي فيه نطلب من الله عزوجل توفيق الإنضمام إلي كوكبة أعوان وأنصار وشيعته خليفته المهدي قائلين: (... واجعلنا يا رب من أعوانه ومقوية سلطانه، والمؤتمرين لأمره والراضين بفعله، والمسلمين لأحكامه، وممن لا حاجة به إلي التقية من خلقك، ... يا أرحم الراحمين).
مستمعينا الأفاضل، العبارة التي وصلنا إليها من هذا الدعاء الشريف هي قول الداعي: (والمسلمين لأحكامه)، هذه العبارة تشير إلي إحدي صفات المؤمنين الصادقين في تعاملهم مع خلفاء الله الحقيقيين وهي التي أشار إليها القرآن الكريم في آيات عدة منها قوله عز من قائل في الآية ٦٥ من سورة النساء: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً»، وكذلك قوله تبارك وتعالي في الآية ۳٦ من سورة الأحزاب: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً».
وواضح - أيها الإخوة والأخوات - أن هذه الآيات ونظائرها تشير بوضوح إلي أن كمال الإيمان وتحققه عملياً وسلوكياً إنما يكون بالتسليم لما يحكم به الله وخلفاؤه المعصومون (عليهم السلام)، وهذه الحقيقة بينتها تفصيلياً الأحاديث الشريفة كما سنري بعد قليل فتابعونا مشكورين.
روي ثقة الإسلام الكليني في كتاب الكافي بسندين عن إمامنا جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (لو أن قوماً عبدوا الله وحده لا شريك له وأقاموا الصلاة واتوا الزكاة وحجوا البيت وصاموا شهر رمضان ثم قالوا لشيء صنعه الله أو صنعه النبي (صلي الله عليه وآله): ألا صنع خلاف الذي صنع، أو وجدوا ذلك في قلوبهم - يعني وإن لم يتحدثوا به بألسنتهم بل كان اعتراضاً قلبياً - لكانوا بذلك من المشركين، ثم تلا قوله عزوجل: «فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً»، ثم قال الصادق )عليه السلام): فعليك بالتسليم).
وروي الشيخ الصدوق في كتاب التوحيد بسنده عن مولانا الإمام الباقر (عليه السلام) في حديث طويل أن جابرا الجعفي سأله عن قوله عزوجل: «لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ»، فقال: يابن رسول الله، وكيف لا يسأل عما يفعل، فأجابه (عليه السلام): (لأنه لا يفعل إلا ما كان من حكمته صواباً، وهو المتكبر الجبار والواحد القهار، فمن وجد في نفسه حرجاً مما قضي الله فقد كفر، ومن أنكر شيئاً من أفعاله فقد جحد).
لا يخفي عليكم مستمعينا الأفاضل أن أحكام خليفة الله المهدي هي كأحكام آبائه المعصومين وجده سيد الخلائق (صلي الله عليه وآله) أحكام الله عزوجل، فعدم التسليم لها يمثل مرتبة من مراتب الكفر الخفي إذا كان عدم التسليم قلبياً وإلا كان من الكفر الصريح إذا كان اعتراضاً صريحاً.
مستمعينا الأفاضل، وروي عن إمامنا زين العابدين (عليه السلام) في كتاب كمال الدين وتمام النعمة ضمن حديث عن غيبة المهدي قال: (إن للقائم منا غيبتين إحداهما أطول من الأخري. أما الأخر فيطول أمرها حتي يرجع عن هذا الأمر - يعني الإعتقاد بالظهور المهدوي - أكثر من يقول به فلا يثبت عليه إلا من قوي يقينه وصحت معرفته ولم يجد في نفسه حرجاً مما قضينا وسلم لنا أهل البيت).
وقال (عليه السلام) ضمن حديث آخر في المصدر نفسه: (إن دين الله عزوجل لا يصاب بالعقول الناقصة والآراء الباطلة والمقائيس الفاسدة، ولا يصاب إلا بالتسليم، فمن سلم لنا سلم، ومن اقتدي بنا هدي، ومن كان يعمل بالقياس والرأي هلك، ومن وجد في نفسه مما نقوله أو نقضي به حرجاً كفر بالذي أنزل السبع الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ وهو لا يعلم). 
أعزائنا المستمعين، إذن يتضح مما تقدم أن دعاء المعرفة يعلمنا أن نطلب من الله جل جلاله التوفيق للتحلي بإحدي أهم صفات المؤمنين العاملين وهي صفة التسليم الكامل لما يحكم به وليه وخليفته إمام زماننا المهدي (عجل الله فرجه) في جميع الشؤون في عصر الغيبة أو عصر الظهور، سواء عرفنا الحكمة فيما يقضي به أو يتخذه من مواقف أو لم نعرف وجه الحكمة، وسواء جاءت أحكامه طبق ما تراه أو تدركه عقولنا أو ما ترغب في نفوسنا؛ أو جاءت خلاف ذلك.
بهذه الخلاصة المستفادة من الآيات الكريمة ننهي أعزائنا لقاء اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة). استمعتم له مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران شكراً لكم ودمتم بألف خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة