البث المباشر

من دعاء الامام المهدي.. شرح فقرة "وأعنه على ما وليته واسترعيته"

الثلاثاء 30 يوليو 2019 - 12:03 بتوقيت طهران

إذاعة طهران - ينابيع الرحمة: شرح فقرة "وأعنه على ما وليته واسترعيته،..." من أدعية الإمام المهدي عليه السلام.

 

بسم الله وله عظيم الحمد على نعمائه ذي الفضل والإنعام وأزكى صلواته وتحياته على كنوز رحمته وإحسانه أمنائه الكرام محمد وآله الطاهرين. 
السلام عليكم ايها الأحبة، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نتابع فيها إستلهام دروس الحياة الطيبة من التأمل في أدعية أهل بيت النبوة (عليهم السلام) ومنها الدعاء الجليل الموسوم بدعاء المعرفة والمُستحبُّ الإلتزام بتلاوته في عصر الغيبة للنجاة من الفتن والثبات على الدين الحق، وقد وصلنا الى الفقرة التي يدعو فيها المؤمن لإمام زماننا (أرواحنا فداه) قائلاً: (اللهم ومُدَّ في عمره، وزد في أجله، وأعنه على ما ولـَّيته وإسترعيته، وزد في كرامتك له فإنه الهادي المهدي، القائم المهتدي، الطاهر التقيُّ، الزكيُّ النقي، الرضيُّ المَرضيُّ، الصابرُ الشكورُ المجتهدُ، ...) . 
إستنرنا في الحلقة السابقة بالعبارة الأولى من هذه الفقرة حيث يطلب الداعي من الله عزوجل أن يطيل في عمر إمام العصر (أرواحنا فداه) ويزيد في أجله لكي تتواصل بركات وجوده على عباد الله وعموم خلائقه عزوجل، وتأتي العبارة التالية لتشير الى الأطار العام لهذه البركات حيث يخاطب المؤمن ربه الكريم قائلاً: (وأعنه على ما ولـَّيته وإسترعيته). وهنا يَنقـَدِحُ سؤالان:
الأول: عن معنى التولية والإسترعاء وما الفرق بينهما؟ 
أما السؤال الثاني: فهو ما الحكمة من تعليم المؤمن أن يطلب هذا الطلب من الله عزوجل؟ 
بالنسبة للسؤال الأول نقول: إن المستفاد مما ذكرته كتب اللغة أنّ تولية حجة الله ومنحهُ الولاية على الخلق، تعني تدبير شؤون سياستهم وهدايتهم الى الله عزوجل والحياة الكريمة، أي أن الاصل في معنى التولية هو تدبير شؤون العباد من قبل الإمام الحجة وطبقاً لما يريده الله عزوجل باعتبار أن الإمام الحجة هو خليفة الله عزوجل؛ فهو يتولّى أمر تدبير شؤون عباده وخلقه عزوجل أما الإسترعاء فهو في الأصل الرعاية. أي تدبير شؤون الخلق أيضاً مع إضافة عنصر رعايتهم أيضاً أي اعانتهم على السير على الصراط المستقيم والالتزام بالقيم الإلهية والحياة الكريمة الطيبة.
من هنا يَتـَّضِحُ أن الفرق بين التولية و الإسترعاء هو أن الأصل في التولية تدبير أمور العباد طبق ما يريده الله عزوجل في حين أن الأصل في الإسترعاء هو إيصال مزيد من الرعاية الإلهية الخاصة للعباد باعتبار أن رحمة الله سبقت غضبه ولأنه ذو المن والإنعام والتفضُّل والإحسان.
مستمعينا الأفاضل، إذن المؤمن يطلب من الله عزوجل هنا أن يُعين إمام العصر (أرواحنا فداه) على القيام بمهام خلافته عزوجل في هداية العباد وتدبير شؤونهم ورعايتهم في بلوغ معارج الكمال: وهذا الأمر يشير الى جسامة هذه المهمة الإلهية وكثرة صعوباتها بحيث تستدعي طلب المؤمنين من الله عزوجل أن يُعين خليفته عليها، وقد أشار النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) الى جسامة هذه المهمة من خلال حديثه المشهور المروي من طرق الفريقين أنه قال: (شَيَّبَتني سورة هود) ومراده (صلى الله عليه وآله) التكليف الإلهي الوارد في قوله عزوجل في الآية ۱۱۲ في السورة: «فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَن تَابَ مَعَكَ وَلاَ تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ» ولهذه الحقيقة توضيح يأتيكم بعد قليل. 
لاحظوا أن الأمر الإلهيَّ بالاستقامة ورد في خطاب الله لرسوله (صلى الله عليه وآله) في سورة الشورى أيضاً في الآية ۱٥ منها حيث يقول عزوجل: «فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ آمَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ».
وهنا نعرض السؤال التالي: لماذا قال الرسول الله (صلى الله عليه وآله): (شَيَّبَتني سورة هود) ولم يقل شَيَّبَتني سورة الشورى؟ 
أجاب العلماء عن هذا السؤال: بأنّ السرَّ يَكمُنُ في قوله تعالى: «وَمَن تَابَ مَعَكَ» الوارد في آية سورة هود أي أن التكلـُّف الإلهيَّ في آية سورة هود لايختصُّ بالنبي وحده كما هو الحال في آية سورة الشورى، بل يشمل قيامه (صلى الله عليه وآله) بحفظ من تاب معه من المؤمنين على طريق الاستقامة ومنعهم من الطغيان عن عمدٍ أو قصدٍ وهذا من أوضح مصاديق الإسترعاء المشار إليه في نص الدعاء؛ ولذلك فهذا التكليف أصعب من الإستقامة الشخصية المذكورة في آية سورة الشورى.
يبقى أمامنا أيها الأخوة والأخوات السؤال الذي عرضناه في بداية اللقاء عن الحكمة من تعليم هذا الدعاء المهدوي للمؤمنين بأن يطلبوا من الله عزوجل أن يُعين إمام زمانهم على المهمة المتقدمة، والإجابة عنه باختصار هي أنّ من مكامن الحكمة في ذلك تنبيه المؤمنين الى جسامة مهمة إمام العصر وبالتالي الاندفاع لإعانته (عليه السلام) عليها باجتناب ما ينافيها والعمل بما تتطلبه من السعي في الالتزام بالاستقامة على الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. 
جعلنا الله وإياكم من العاملين بذلك إنه سميع مجيب، إنتهى أحباءنا لقاء اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) نشكر لكم طيب الإصغاء وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة