السلام عليكم احباؤنا ورحمة الله، تحية طيبة وأهلاً بكم في لقاء اليوم مع ادعية معادن حكمة الله وكنوز رحمة المصطفي الأمين وآله الطيبين صلوات الله عليهم اجمعين.
نتابع في هذا اللقاء تأملاتنا في دعاء مولانا صاحب الزمان امام العصر (أرواحنا فداه) الذي امرنا بتلاوته بعد زيارة جده سيد الشهداء الإمام الحسين (عليه السلام).
وقد بلغ بنا الحديث الي مقطع يقول فيه الداعي مخاطبا ربه الجليل: (اللهم، فصل علي محمد وآل محمد ولا تؤاخذنا بما اخطأنا ونسينا وهب لنا حقوقك علينا وأتم احسانك الينا وأسبل رحمتك علينا). وحديثنا في حلقة اليوم عن عبارتي: (وأتم احسانك الينا وأسبل رحمتك علينا)، فما الذي نستفيده منهما؟
نلاحظ اولاً ايها الأعزاء ان هاتين العبارتين هما ختام مقطع طلب الداعي فيه المغفرة الإلهية بجميع مراتبها، وقد علمنا امامنا المهدي (عجل الله فرجه) في هذا المقطع كيف نطلب المغفرة من الله عزوجل بالصورة التي نتطهر معها من جميع الاثار التكوينية والنفسية والقلبية للذنوب والمعاصي وكذلك لتقصيراتنا في اداء حقوق الله عزوجل علينا.
من هنا نفهم سر ختم هذا المقطع بالطلبين المتقدمين وكذلك المراد منها، فالداعي هنا، يطلب من الله عزوجل ان يوفقه ويعينه علي الإنتقال الي المرحلة اللاحقة لمرحلة التطهر لآثار الذنوب والمعاصي، فما هي هذه المرحلة؟
من المعلوم في علم الأخلاق الإسلامي ان طي معارج الكمال والقرب من الله جل جلاله وفي كل مرتبة من مراتبه بمرحلتين اساسيتين هما ما اصطلح عليها مرحلة التخلية ومرحلة التحلية.
وهذه الفكرة مستفادة من كلمة التوحيد الطيبة المباركة، فالشطر الأول منها يشير الي مرحلة (التخلية) وهو: لاَّ إِلَهَ، فيما يشير الشطر الثاني (إِلاَّ اللهُ) لمرحلة التحلية.
فالمقصود من المرحلة الأولي: هو التطهر والتخلي من العقبات التي تمنع الإنسان عن التكامل والتطور وهي الذنوب والمعاصي والجهل وغير ذلك.
أما المقصود من المرحلة الثانية: فهو التحلي بالعوامل المحققة لهذا التكامل المطلوب او المعينة للإنسان علي الوصول اليه، ومعني التحلي واضح وهو الإتصاف بما تقتضيه هذه العوامل.
وبعد هذه التوضيحات نعود الي عبارتي هذا اللقاء وهما قول الداعي مخاطبا الله عزوجل: (وأتم احسانك الينا وأسبل رحمتك علينا).
ففي هاتين العبارتين يطلب الداعي في الواقع من الله عزوجل ان يتم نعمته عليه، بأن يعينه علي التحلي بما يحبه في اعماله وعقائده وأخلاقيته بعد ان يتفضل عليه بالمغفرة وتطهيره من اثار الذنوب والمعاصي.
وقد استخدم النص الشريف تعبير (الإحسان) لكي يثير في الداعي فطرة شكر المحسن، فالإنسان بفطرته مجبول علي شكر من احسن اليه، وإثارة هذه الحالة الفطرية تضاعف بركات اتمام الاحسان علي الداعي لأنها تدفعه الي شكر الإحسان الإلهي وهو سبب لزيادة النعم كما تنص علي ذلك النصوص الشريفة.
يضاف الي ذلك ان في اثارة وتقوية روح الشكر لدي الإنسان من شأنها ان تجعله يسعي الي استخدام نعم الله عزوجل فيما يرضيه تبارك وتعالي وهذا من اعظم مراتب الشكر لله كما ورد في النصوص الشريفة، ولا يخفي عليكم ان استخدام نعم الله فيما يرضيه جل جلاله هو من اهم العوامل المعينة للمؤمن في طي معارج التكامل في مرحلة التحلية لأنه يعني في الواقع تجنيد الإنسان لكل قواه وما يملكه - وهي جميعا نعم الله عزوجل عليه - تجنيدها في سيرها التكاملي والتقرب من الله عزوجل.
أما الطلب الأخير في هذا المقطع فهو الوارد في قول الداعي: (وأسبل رحمتك علينا)، وهذه العبارة هي من ابلغ العبارات الدعائية الجامعة في طلب الخير من الله عزوجل وعدم انقطاعه. فهذا هو المستفاد:
اولاً: من استخدام الدعاء تعبير (وأسبل) إذ ان الإسبال هو هذا بمعني الإنزال الوفير للرحمة.
وثانياً: فإن نسب الرحمة الي الله عزوجل وهو ارحم الراحمين دون تقييد بقيد يفيد شموليتها لمختلف شؤون الداعي.
وإلي هنا نكون قد وصلنا اعزائنا الي ختام حلقة اخري من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من صوت الجمهورية الإسلامية في ايران تقبل الله منكم حسن المتابعة ودمتم في رعاية الله.