لانزال نحدثك عن الأدعية المباركة ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن أحد ادعيته الخاص بقراءته يوم عاشوراء وانتهينا الى مقطع يتوسل بالله تعالى بأن يتفضل علينا بجملة عطائات ومنها قوله (عليه السلام): (عافية من كلّ بلاء وسقم ومرض و الشكر على العافية والنعماء). ان هذه العبارات تتناول اولاً: العافية والشكر على العافية وقبالة ذلك تتوسل بالله تعالى بان يعافينا من كلّ سقم ومرض ومن كل بلاء. اذن ثمة توسل بالله تعالى من السقم والمرض، ومن البلاء، ثم الشكر على العافية وعلى النعمة.
والسؤال الاّن هو: ان نوضح الفارق بين المرض والسقم، وبينهما وبين البلاء، وبينهما وبين الشكر علي ضدِّ هذه الشدائد وهو:الشكر على معطيين هما: العافية والنعمة.
مرة جديدة: نحن الآن امام نص يتضمن ظواهر تبدو و كأنها مترادفة كالسقم والمرض، وظواهر متجانسة: كالعافية والنعمةوظواهر متضادة ك البلاء والنعمة وهكذا، اذن لنتحدث عن ذلك.
لعل القارئ للدعاء يخيل اليه ان المرض والسقم هما بمعنى واحدٍ ولكن الأمر ليس كذلك، وقد سبق ان قلنا ان حرص الاسلام على اشباع الحاجات التي يتوسل بها الداعي الى الله تعالى او حتى ما لا يذكره تفسر لنا ما يرد في هذا الدعاء وغيره من عرض الحاجات المتماثلة من جانب والمتجانسة من جانب ثان والمستقلة من جانب ثالث، فمثلاً ان ما يعرض للبدن من الداء امّا ان يكون عابراً او عادياً او ان يكون مصحوباً بالشدة الكبيرة كالمرض المزمن مثلاً لذلك نجد ان هذا المقطع من الدعاء توسل بالله تعالى بان ينقذ قارئ الدعاء من (المرض) الذي هو داء عابر ومن (السقم) الذي هو داء مزمن او كما يقال له المرض المزمن تمييزاً له عن المرض العابر، وهذا يعني كما كررنا ان الدعاء يحرص على انتشال القارئ للدعاء من المرض العابر ومن المزمن ايضاً: تعبيراً عن مدى الرحمة الالهية.
هنا نلفت نظرك الى ان المقطع الذي نتحدث عنه الان قد سأل الله تعالى قبل
كلّ شيء: الخلاص من البلاء قبل حديثه عن المرض والسقم، فما هو السّر الكامن وراء ذلك؟
الجواب: ان مصطلح (البلاء)، يعني: الشدّة مطلقاً، وقد ينسحب على الداء ولكن في الحالتين فان الدعاء ذكر اولاً عنواناً عاماً، ثم المصداق أو النماذج منه وهما: المرض والسقم، وهو اسلوب بلاغي له أهميته دون ادنى شك لأنّ الانتقال من العام الى الخاص (يظلّ في لغة علم النفس) احد الاساليب التي يستجيب لها العقل في ادراكه للأشياء، المهم نجد ان الدعاء بعد ان ينتهي من الحديث عن البلاء والمرض والسقم يتجه الى الضدِّ من ذلك وهو: العافية من الداء، ثم الشكر على ذلك بالاضافة الى تحقيق(النعماء): كما عبّر الدعاء عن ذلك.
هنا نلفت نظرك الى ان الاسلوب الفنّي الذي سلكه الدعاء يتضمن عنصر (التضاد) و(التقابل) وعنصر (التماثل) بطبيعة الحال، ولو قدّر لك ان تتأمل فقرات الدعاء لأمكنك ان تلاحظ بأن الدعاء عندما ذكر مصطلح (البلاء) جعله مقابل عبارة (نعماء)، اي: انالنعمة هي قباله البلاء الذي ورد في أول الفقرة، ثم ذكر عبارة (النعماء) التي وردت في آخر الفقرة فيكون التقابل بين ضدين ويكون الثاني جواباً للاول اي: بعد ان يتوسل الدعاء بالله تعالى بان ينقذه من البلاء: يتجه بعد ذلك الى الشكر لله تعالى على ما انعم وهكذا بالنسبة الى ما ورد من الاستعاذة من المرض والسقم حيث اتجه الدعاء بعد ذلك الي الشكر لله تعالى على (العافية)منهما وهذا هو منتهى الجمالية في اسلوب الدعاء: كما اوضحنا.
بعد ذلك يتجه مقطع الدعاء الى عرض حاجات اخرى نحدثك عنها في لقاءات لاحقة ان شاء الله تعالى، سائلين الله تعالى ان ينتشلنا من البلاء والمرض والسقم، وان يوفقنا الى شكرنا إياه للعافية التي متعنا بها وللنعمة التي أغدقها علينا كما نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.