البث المباشر

شرح فقرة: "رزقاً واسعاً، حلالاً طيباً،..."

الإثنين 29 يوليو 2019 - 08:37 بتوقيت طهران

نواصل حديثنا عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) الخاص بقراءته يوم عاشوراء حيث حدثناك عن مقاطع منه، وانتهينا الى مقطع ورد فيه ما يسأل به الدعاء: (رزقاً واسعاً، حلالاً طيباً مريئاً، داراً سائغاً فاضلاً مفضلاً، صّباً صبّاً من غير كدٍّ ولانكدٍ ولامنّةٍ من احد، ...).
ان هذه العبارات تتناول ظاهرة التوسل بالله تعالى بان يرزق قارئ الدعاء رزقاً واسعاً حلالاً، وهي اوصاف تبلغ اثني عشر طابعاً للرزق حيث يندر ورودها في نصوص الرزق من حيث سعة الاوصاف الواردة فيه، بيد ان التوفيق في هذا الجانب يكشف لنا عن امور جّمة نوضحها خلال حديثنا عن الاوصاف المذكورة للرزق.
ان الوصف الاول للرزق في النص المتقدم هو: كونه حلالاً، وهذا الوصف لا يحتاج الى تعقيب لأن الحلال مفروض منه طالما تشير النصوص الى ان المعاملات التجارية قد ترتطم بالربا، والغصب، والغش والسرقة، وكلها تترك أثرها في تزكية النفس وعدلها، بيد ان الأوصاف اللاحقة لهذا الرزق الحلال، تتطلب وقوفاً عندها، ومنها: ان يكون (طيباً) و(مريئاً). ان هذين الوصفين يرتبطان بتذوق الطعام ولكن صياغتها في هذا النص تظل مجازية او استعارية بحيث يخلع طابع (التذوق) على ما يصل الى الانسان من رزق مادي، كما ينسحب على الرزق المرتبط بالطعام ايضاً اي: ان الرزق قد يحصل عليه الانسان من خلال العملة النقدية وقد يحصل بواسطة تبادلها بالطعام الذي يشتريه وقد يحصل على الطعام نفسه، وهكذا. ففي الحالات جميعاً يظل الرزق المتصف بصفة(الطيب) و(المرئ) له دلالته المتمثلة بكونه اولاً لذيذ الطعم وسائغ التناول. سواءاً كان طعاماً فعلاً او مالاً فيكون الحصول عليه مقروناً بما هو لذيذ وسائغ: معنوياً من حيث مصادره، او حيوياً: من حيث طعمه.
لا نغفل ان الرزق الموسوم بما تقدم قد اقترن من جانب بكونه (واسعاً) او من جانب آخر بكونه كما سنرى الآن (داراً سائغاً). فماذا نستلهم من الصفات المذكورة؟
لكن قبل الاجابة على ذلك ينبغي ان نتوقع من قارئ الدعاء بأن يسأل: ما هو الفارق بين (الرزق الواسع) و(الرزق الداّر)؟ كذلك الفارق بين (السائغ) ومن الرزق (المرئ) الذي لاحظناه قبل قليل؟
الاجابة على هذين السؤالين تتسم بأهمية كبيرة طالما نتحدث دائماً بأن المعصوم (عليه السلام) لا ينطق الاّ بما هو حق، صائبٌ لغوياً ودلالياً، وهذا يتطلب الوقوف عند هذه المصطلحات التي تبدو وكأنها مترادفة ولكنها ليست كذلك. اذن لنتحدث اولاً عن (الرزق الواسع) والفارق بينه وبين (الرزق الدّار). فما هو الفارق؟
من البين ان (الدار) من الرزق يعني (الكثير) منه، ولكنه يتسم بكونه استمرارياً، كاللبن الذي تدرّه يوميا من الفصائل الخاصة واما (الواسع) فهو: ما لاضيف يصحبه.
فتكون الدلالة هكذا: الرزق الاستمراري غير المنقطع وغير المقترن بالشحّة والضيق ونحوهما، واما الفارق بين (السائغ) وبين(المرئ)، ان (ساغ)، يعني: سهل تناوله في الفم، واما (المرئ)، فيعني: انه (تهنأ) به الآن وبذلك يكون الفارق بينهما هو: سهولة التناول ولذته.
وما قلناه عن صفة (طيب) و(مرئ) نقوله عن صفة (دارّ) و(سائغ) من قوله (عليه السلام): (داراً سائغاً)، اي أنه التعبير المجازي للرزق المادي او التعبير الحقيقي للرزق (الحيوي) المرتبط بالطعام.
هنا قبل ان نواصل حديثنا عن الاوصاف الاخرى للرزق نلفت نظرك الى ما سبق ان قلناه في لقاءاتٍ سابقةٍ، بأن النص الشرعي او ان الأسلام اساساً يهدف الى تأمين حاجات الانسان التي يطلبها منه خلال الدعاء بأفضل مستوياتها، اي الاشباع بأفضل انماطه كأن يكون الرزق واسعاً مستمراً لاتقطعه فترة ضيق او توقف او صعوبة الخ وهذا يفسّر لنا ما نلاحظه من وجود اثني عشر وصفاً للرزق: تعبيراً عن احسن مستوياته.
ختاماً نسأله تعالى ان يرزقنا كما ورد في الدعاء وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة