لانزال نحدثك عن الادعية المباركة، ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) حيث حدثناك عن قسم منه، ونحدثك الان عن احد مقاطعه البادئ على هذا النحو: (اللهم اني أشهدك على تصديقي رسولك صلى الله عليه وآله، وايماني به، وعلمي بمنزلته، واني اشهد انه النبي الذي نطقت الحكمة بفضله وبشرت الانبياء به، ودعت الى الاقرار بما جاء به، وحثت على تصديقه، بقوله تعالى: الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ، ...).
ان هذا النص وما بعده يحدثنا عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من حيث الايمان برسالته والاشهاد على ذلك، ومع وضوح ما ورد فيه من تفصيلات الايمان به (صلى الله عليه وآله وسلم) الا ان هذه التفصيلات لها نكاتها الدلالية التي يجدر بنا القاء الانارة عليها، وهذا ما نبدأ به الان.
يبدأ النص باشهاد قارئ الدعاء اي: يشهد الله تعالى بالتصديق والايمان به، طبيعياً المقصود بالتصديق: تصديق ما بشر به الله تعالى إيانا برسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم الايمان بهذه الرسالة، ثم: العلم بمنزلته، ان هذه المفردات الثلاث:التصديق، الايمان، العلم بمنزلة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) جاءت تمهيداً لما ستقرره الآية القرآنية المشيرة (كما ورد في النص) بأن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يجده الكتابيون مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ.
اذن جاء التصديق والايمان والعلم بمنزلة النبي جواباً سابقاً لما سيعرضه النص من موقف الكتابيين حيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته ومنزلته تاركاً لقراء الدعاء أن يتداعوا بأذهانهم الى موقف الكتابيين المشكك او المنكر أو المحرف، لما هو مكتوب عندهم، اي جاءت هذه الكلمات على لسان القارئ للدعاء انكاراً لمواقف الكتابيين من الرسالة، ثم ماذا؟ النص يتابع تقديم قارئ الدعاء موقفه من الرسالة على نحو مالاحظناه متمثلاً في الفقرات الآتية، ترى: ما هي الفقرات الآتية؟
يقول النص: (واني اشهد انه النبي الذي نطقت الحكمة بفضله، وبشرت الانبياء به، ودعت الى الاقرار بما جاء به، وحثت على تصديقه، بقوله تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ، …). واضح ان الآية القرآنية الكريمة المشيرة الى ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وانه (صلى الله عليه وآله وسلم) يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ، وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ، وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ، وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ…الخ.
اذن ما وجده الكتابيون من البشارة به يظل في سياق الدعاء اسلوباً دلالياً يستهدف اولاً: الرد علي منكري الرسالة، والاعلان عن المصدقين به وهو: المجتمع الاسلامي متمثلاً في احد مصاديقه وهو: القارئ للدعاء. مضافاً الى ان الانبياء السابقين على هؤلاء الكتابيين قد بشروا به ايضاً ودعوا الى الاقرار بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وحثوا على تصديقه.
اذن بهذا الاسلوب الدلالي: جاءت كلمات الدعاء جواباً او رداً على المشككين والمنكرين والمحرفين لما لديهم من النصوص المبشرة بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ورسالته.
بعد ذلك يتجه نص الدعاء الى مقطع آخر يصل فيه بين النبي (صلى الله عليه وآله) (من حيث الصلاة عليه) وبين اصحاب الكساء: علي وفاطمة والحسنين (عليهم السلام)، والائمة (عليهم السلام) ومحققاً بهذا الاسلوب جانباً عقائدياً بنحو غير مباشر بين رسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين اهل بيته (عليهم السلام)، ومن ثم بينه (صلى الله عليه وآله وسلم) وبين اوصيائه (عليهم السلام)، بادئاً حديثه بهذا النحو: (فصل على محمد رسولك الى الثقلين، وسيد الانبياء المصطفين، وعلى اخيه وابن عمه اللذين لم يشركا بك طرفة عين ابداً، وعلى فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين وعلى سيدي شباب اهل الجنة الحسن والحسين)، الى ان يقول: (وعلى آله الطاهرين الائمة المهتدين، الذائدين عن الدين: علي ومحمد وجعفر وموسى وعلي ومحمد وعلي والحسن والحجة، ...)، بهذا الاسلوب الفني يصل النص بين رسالة محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، وخلفائه (عليهم السلام) محققاً بذلك: الموقف العقائدي الصائب لقارئ الدعاء وسائر المنتسبين للخط المذكور وهو ما سنوضح دلالاته في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى العمل بما جاء به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) واهل بيته وان يوفقنا لممارسة الطاعة والتصاعد بها الي النحو المطلوب.