نتابع حديثنا عن الأدعية المباركة، ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام)، الخاص بقراءته بعد زيارة الامام (عليه السلام)، وقد حدثناك عن مقاطع منه، وانتهينا الى مقطع توسل بالله بان يصلّي على محمد وعلى خليفته، الى ان يقول عنه: (نور ابصار الورى، وخير من تقمص وارتدى، ومجليّ العمى، الذي يملأ الارض عدلاً وقسطاً، ...).
هذا النص ينطوي على صياغة فائقة في دلالتها وجماليتها، حيث يمثل امتداداً لما ورد في المقطع من عبارات صورية استعارية لاحظناها في لقاء سابق، ونلاحظها في لقاءات لاحقة ان شاء الله، اما الآن فنحدثك عما ورد في المقطع من العبارات الفنية، ونقف اولاً عند الصورة الاولى وهي: (نور ابصار الورى)، فماذا نستلهم؟
من الواضح، إن العبارات الصورية تظل في غالبتيها مرشحة بجملة دلالات، بحيث يستطيع القارئ للنص بأن يفسرها في ضوء خلفيته الثقافية والفنية وعبارة: (نور ابصار الورى) وما بعدها من الصورتحمل السمة ذاتها. إذن ما الذي نستخلصه من الصورة؟
في تصورنا بما انّ الامام المهدي (عجل الله تعالى فرجه الشريف) يعتبر هو القائد في زمان الغيبه للناس، ومن ثم فان غيابه عن الانظار يظل متوافقاً مع ما ورد من النصوص الشرعية الذاهبة الى ان وجود الامام غائباً كوجود الشمس من حيث افادتنا منها، وهو ما يتناسق تماماً مع صورة: (نور ابصار الورى)، اي:ان (البصر) هنا هو النظر، والبصر بما انه اداة النظر فلابّد ان تستند الى مادة نورية، وبهذا يكون الامام (عليه السلام) هو: المادة النورية التي يستمد منها البصر فاعليته في النظر، هنا نلفت نظرك الى عدم الفارق بين (البصر) بمعناه الحسي، وبين (البصر) بمعناه الروحي، فكلاهما يرمزان الى معطى النور في دلالته مع غلبة النور على الاستخدام الرمزي مثل: «يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ»، وبهذا تكون العبارة مؤدية الدلالة الذاهبة الى ان المسلمين يستضيئون بنور الامام (عليه السلام) في شتى فاعليتهم الحسية والمعنوية.
بعد ذلك نواجه عبارة: (خير من تقمص وارتدى)، فماذا نستلم منها؟
أحسبك تشاطرني الرأي بأن هذه العبارة ملفعة بغموض فني جميل، حيث يستطيع القارئ للنص ان يفسرها باكثر من تفسير، منها مثلاً ان (القميص) هو اللباس الداخلي، بينما الرداء اعّم من ان يكون خارجياً او داخلياً مع كون استخدامه في الغالب يتم من خلال السياق الغالب وهو ما يلبس على الثياب: كالعبائة اوالجبة، وحينئذ يمكننا ان نستخلص من العبارة الرمزية ما يأتي: ما دام اللباس خارجياً وداخلياً لكل منها وظيفته وفائدته للبدن، كذلك وجود الامام (عليه السلام)، فان معطياته على الناس تظهر على فاعلياتهم سواء أًكانت فاعليات ظاهرة للعيان مشخصه او مخفيه، مثلاً بمعنى ان فائدة وجود الامام الغائب (عليه السلام)، منسجمة على الحالات جميعاً.
وثمة تفسير آخر من الممكن ان نرتكن إليه وهو: ان المقصود من عبارة (خير من تقمص) يجسد رمزاً لغيابه (عليه السلام)، لان القميص هو ما يلبس على الجلد، واما عبارة: (خير من ارتدى)، يعني: زمن ظهوره (عليه السلام)، حيث ان الرداء هو ما يلبس فوق الثياب،....اذن ثمة تفسير آخر يظل فارضاً أهميه الرمزيه بالنحو الذي اوضحناه .. بعد ذلك نواجه عبارة (مجلّي العمى). فماذا نستلم؟
في تصورنا بما ان عبارة (نور ابصار الورى) التي حدثناك عنها، تعني: الافادة من الامام (عليه السلام) من اضاءة فاعلية الناس ومن ثم بما ان الفائدة المذكورة تنسحب على غيابه وظهوره (عليه السلام)، حينئذ فأن عبارة (مجلّي العمى)، تعني: ازالة كل ظلام وجهل وستر والخ، حيث تذهب ظلمة الشر او الانحراف او الكفر او الظلم وهذا ما تساعده العبارة اللاحقة القائلة: (الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً).
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى الافادة من الامام (عليه السلام)، من النور، من العطاء الكبير كما نسأله ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.