نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها: دعاء الامام المهدي (عليه السلام) في تعقيبه لصلاة الفطر، حيث حدثناك عن مقاطع منه وانتهينا الى مقطع ورد فيه: (يا الله انت لكل حاجة لنا، فصل على محمد وآله، وعافنا، ولا تسلط علينا احداً من خلقك بما لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، واكفنا في كل امر الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، يا ذا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ، ...).
بهذا المقطع وما بعده يختم الدعاء الذي حدثناك عنه، والمهم الان هو: ملاحظة ما ورد من العبارات المتقدمة من نكات الدعاء وفي مقدمة ذلك ان الله تعالى مصدر الحاجات لنا من حيث اشباعها، ولذلك فان العافية تظل في مقدمة السلسلة من الحوائج، ثم وهذا ما يلفت النظر التوسل بالله تعالى بالأ يسلط علينا احداً من خلقه بما لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، ان هذه الفقرة من الدعاء تتطلب وقوفاً عندها، وهذا ما نبدأ به الان.
الفقرة - كما لاحظنا- تتوسل بالله تعالى بالا يسلط علينا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ، ترى: هل يعني هذا ان تسليط من لا يرحمنا اذا كان مما يطاق فلابأس به؟
لا احسب ان لهذه الفقرة ما يشير الى السؤال المتقدم بقدر ما تشير الفقرة الى ان مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ: جنبنا الوقوع فيه: مع ملاحظة ان الشدة في مستواها غير الحاد تظل من طبيعة الحياة التي وصفها الله تعالى بانها سجن المؤمن، اي السجين لابد وان يعاني الشدة.
اذن المقصود هو مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ قبالة قناعتنا بان الشدائد هي طبيعة الحياة، ولكن في نطاق الطاقة تبعاً لقوله تعالى: «لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا»، اذن اتضح ما تعنيه العبارة المتقدمة.
نواجه بعد ما تقدم عبارة جديدة هي: (اكفنا في كل امر الدنيا والاخرة، يا ذا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ). هذا قبل ان نحدثك عن هذه الفقرة الواضحة، نحيلك الى اول المقطع حيث ورد فيه: (انت لكل حاجة) ، ترى: ما هو الرابط بين التوسل بالله تعالى بانه لكل حاجة وبين الفقرة الاخيرة القائلة: (اكفنا في كل امر الدنيا والاخرة، ...)؟
الجواب: ان العبارة الاستهلالية في المقطع تعكس صداها على موضوعاً المقطع ومنها: شمولية حاجاتنا فهناك اولاً أشار الدعاء الى انه تعالى هو لكل حاجة لنا، اي جميع الحاجات وها هي الفقرة القائلة: (اكفنا في كل امر الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ)، تفصل لنا ما حمله الاستهلال، الاستهلال يقول: انه تعالى لكل حاجة وها هو الختام يتحدث عن نمط الحاجة متمثلاً في امر الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، ومن البين ان الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ تمثلان حوائج عبادية في المقام الاول بينما من الممكن ان تنحصر الحاجات الدنيوية في نطاق الاشباع المادي مثلاً ولكن في الحالات جميعاً تظل العبارة المذكورة: (امر الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ) شاملة لكل الحاجات: مادية ومعنوية عاجلة واجلة.
ختاماً نواجه عبارة الدعاء الختامية على النحو الآتي: (صل على محمد وآل محمد، وسلم على محمد وآل محمد كأفضل ما صليت وباركت وترحمت وتحننت على ابراهيم وآل ابراهيم انك حَمِيدٌ مَّجِيدٌ) .
ان هذه الفقرات تشتمل على نقاط يجدر بنا ان نلاحظها منها: الاشارة الى ابراهيم وآل ابراهيم وهي اشارة تربط بين الشريعة الاسلامية وبين الحنيفية التي طالما اقر الاسلام مجموعة من المبادئ التي تنتظمها بالاضافة الى خصوصية ابراهيم (عليه السلام) حيث كان امة وحده.
واما السمات التي ذكرها الدعاء مثل الصلاة، المباركة، الترحم، التحنن، فتظل تعبيراً عن اهمية الموقف مع ملاحظة عبارة (كأفضل)في قوله تعالى: (كافضل ما صليت)، مما يكشف عن نقطة في غاية اهميتها وهي: خصوصية رسالة الاسلام واقترانها برعايته تعالى بالقياس الى الشرائع الاخرى، بالاضافة الى ان كلمات المباركة والترحم والتحنن في قوله تعالى: (باركت وترحمت وتحننت)، هذه العبارة تظل تعبيراً فائقاً عن مدى رعايته تعالى لمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وآله والمنتسبين لخطه مقرونة بالرحمة وبالحنان حيث ان الرحمة هي العنوان العام والحنان احد مصاديقه المفصحة عن الشفقة بلا حدود.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.