نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء الامام المهدي (عليه السلام) في تعقيبه لصلاة الفطر، حيث حدثناك عن مقاطع منه وانتهينا الى ما يأتي: (اللهم اني أسألك بلَّا إِلَهَ إِلَّا أَنتَ، ان كنت رضيت عني في هذا الشهر، أن تزيدني فيما بقي من عمري رضاً، وان كنت لم ترض عني في هذا الشهر، فمن الان فأرض عني، الساعة الساعة الساعة، واجعلني في هذه الساعة، وفي هذا المجلس من عتقائك من النار وطلقائك، من جهنم، وسعداء خلقك بمغفرتك ورضوانك يا ارحم الراحمين)، هذا المقطع من الدعاء يتميز بخصوصيات ونكات في غاية الاهمية نبدأ نحدثك الان عنها.
القسم الاول من المقطع يتوسل بالله تعالى بان يرضى عن قارئ الدعاء الى اخر العمر وان يزيده الله رضاً، بيد ان النكات الدلالية تبدأ من الفقرات التي تفترض في حالة عدم رضاه تعالى والعياذ بالله من العبد ان يرضى عنه تعالى من هذه اللحظة، والسؤال الان: ما هي النكات الكامنة وراء التوسل به تعالى ان يرضى عن قارئ الدعاء من هذه اللحظة؟
لقد عبر الدعاء عن اللحظة الحالية بعبارة: (الساعة) والمعروف ان مصطلح الساعة في الاحاديث الشرعية بمعنى: لحظة زمانية قد تطول الى ساعات (من حيث الدقائق والثواني)، وقد تقتصر على ثوانٍ محدودة، وهذا الاخير هو: المستهدف، اي: من ساعة توسلاتنا الان، والنكتة الجديدة هي: تكرار العبارة (الساعة الساعة الساعة، ثلاث مرات) وهي اسلوب بلاغي من اساليب التأكيد اي: التكرار لكلمة الساعة بصفة ان التكرار مطلقاً يعد اداة بلاغية في تأكيد الدلالة.
لم يكتف مقطع الدعاء بتكرار الساعة الساعة الساعة بل اردف ذلك بعبارة: (واجعلني في هذه الساعة)، ثم لم يكتف بالعبارة المتقدمة حتى اردفها بعبارة: (وفي هذا المجلس)، اذن نحن الان امام جملة عبارات تأكيدية متنوعة بعضها تأكيد للعبارة بذاتها وبعضها تأكيد للساعة ولكن من خلال اللحظة التي يتوسل بها وبعضها تأكيد للمصطلح المكاني ايضاً اي: لا يكتفي الدعاء بالتوسل بالله تعالى بان ينقذ عبده في هذه اللحظة الزمانية بل يتوسل ايضاً في اللحظة المكانية وهي: المجلس الذي يتلو قارئ الدعاء فيه هذا النص او لحظة كتابته بالنسبة لكاتب هذه السطور او بالنسبة لقارئ البرنامج حالياً، ولنقرأ من جديد: الساعة الساعة الساعة واجعلني في هذا الساعة وفي هذا المجلس، والان، ماذا طلب مقطع الدعاء في الساعة هذه واللحظة هذه والمجلس هذا ماذا طلب المقطع؟
يقول المقطع: (من عتقائك من النار وطلقائك من جهنم وسعداء خلقك بمغفرتك ورضوانك يا أرحم الراحمين).
والان لنتحدث عن العبارات المتقدمة ان (النار) اعاذنا تعالى منها هي: مطلق الجزاء الذي ينتظر المنحرفين اما جهنم فهي: الاخص من ذلك من حيث التحديد ولذلك نجد ان النص عبر عن الاولى: (عتقائك من النار) بينما عبر عن جهنم بعبارة: (طلقائك من جهنم) والعتيق هو غير الطليق وان كانا في دلالة مشتركة هي: النجاة من العذاب بصفة ان العتق هو: تحرير الرقبة بينما الطلق هو: ارسالها فتكون النتيجة هي: الافراج والاخراج: كما هو واضح.
بقي ان نشير الى عبارتين ترتبطان بالجزاء الايجابي اي غفرانه تعالى ورضاه، فما هو السر الكامن وراء التعبير عن الجزاء الايجابي بعبارتين هما: الْمَغْفِرَةِ والرِضْوَانِ؟
الجواب: الْمَغْفِرَةِ هي: التستر على الذنب لغوياً، واما ك فهو: الاشد اهمية لان الْمَغْفِرَةِ تقترن بوجود الذنب عند العبد، بينما ك هو: رضاه تعالى بعد غفرانه لذنب العبد، ولذلك ورد ان الجنة هي الدرجة الثانية بالقياس الى رضوانه تعالى، حيث جاء في النصوص الشرعية: الطلب برضاه تعالى (الجنة)، والتعوذ من سخطه والنار.
ختاماً نسأله تعالى رضاه والجنة ونعوذ بالله تعالى من سخطه والنار وسائلين الله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******