البث المباشر

شرح فقرة: "غلبة الرجال..." (۲)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 14:38 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 88

 

بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ والصلاة والسلام على شروط الدخول في حصن توحيده الحصين؛ نبيه الصادق الأمين وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.

سلامٌ من الله عليكم أعزاءنا المستمعين، أطيب تحية نحييكم بها مرحبين بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج، فأهلاً بكم في هذه الحلقة نستكمل الحديث عن معنى ومصاديق (غلبة الرجال) التي يعلمنا حبيبنا نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) الإستعاذة بالله عزوجل منها في المقطع الختامي من دعائه المبارك الموسوم بدعاء الحجب الشريف.

وقد اشتمل المقطع الختامي على هداية نبوية جليلة الى العوامل التي تحرم الانسان من الحياة الطيبة فعدّ منها واحداً وعشرين عاملاً الأخير منها عامل (غلبة الرجال)، نستذكر هذه العوامل طالبين من الله الوقاية منها ونحن نقتدي بحبيبنا الهادي المختار وهو يخاطبه عزوجل مقسماً عليه بأعز اسمائه الحسنى وهو يقول: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

ايها الاخوة والاخوات، روى الشيخ الصدوق في كتاب (من لا يحضره الفقيه) عن مولانا الامام جعفر الصادق (عليه السلام) أنه قال: (تعوذوا بالله من غلبة الدين وغلبة الرجال ...).

وفي هذا الحديث اشارة لطيفة الى أثر غلبة الرجال في ارهاق الانسان بالضغوط المادية والمعنوية مثلما ترهقه وتقلقه غلبة الدين أي كثرة ما بذمته للآخرين من قروض أو طلبات أو حقوق.

وقد عرفنا في الحلقة السابقة أقوال العلماء في معنى (غلبة الرجال) حيث ذكروا من مصاديقه انتشار الفوضى والاضطرابات التي يثيرها الأشرار والغوغاء، كما ذكروا من مصاديق غلبة الرجال حكم الجبارين والظلمة الذين يعيثون في الأرض فساداً ويؤذون الناس بظلمهم.

وثمة مصداق آخر ل غلبة الرجال أهم وأكثر تدميراً للحياة المعنوية للإنسان نستفيده من عدة من الأحاديث الشريفة تأتيكم بعد قليل قأبقوا معنا.

مستمعينا الأكارم، روى الشيخ الصدوق في كتاب (معاني الأخبار) بسنده عن سفيان بن خالد، قال:

قال ابوعبدالله الصادق (عليه السلام): اياك والرئاسة فما طلبها أحدٌ الا هلك.

فقلت له: جعلت فداك، قد هلكنا إذاً، ليس أحدٌ منا إلا وهو يحب أن يذكر ويقصد ويؤخذ عنه.

فقال (عليه السلام): ليس حيث تذهب، إنما ذلك أن تنصب رجلاً دون الحجة فتصدقه في كل ما قال وتدعو الناس الى قوله.

وكما تلاحظون ايها الأفاضل، فإن في هذا الحديث الشريف إشارة مهمة الى أخطر مصاديق (غلبة الرجال) يبين الإمام (عليه السلام) عمق خطورته بالتصريح بأنه يؤدي الى هلاك الانسان.

هذا المصداق يتمثل في أن يتأثر الإنسان بشخصية قوية حتى لو كانت من المؤمنين والصالحين لكنها (دون الحجة) أي ليست من المعصومين فيتعامل معها وكأنها معصومة فيأخذ منها كل شيء ويصدقها في كل ما تقول ويدعو الناس الى إتباعها رغم احتمال أن تكون بعض أقوالها وآرائها من عندها وليس من مصادر الوحي الالهي المعصوم، وبذلك يقع في إتباع غير الهدى الالهي فيكون هلاكه.

وعلى ضوء ما تقدم نفهم مستمعينا الأفاضل أن من وسائل النجاة من (غلبة الرجال) الاستعانة بالله عزوجل في اجتناب التسليم المطلق لغير الحجة المعصوم، نعم نؤخذ من الصالحين ونقتدي بهم في الموارد التي نتيقن من كونها مما أمر به الله عزوجل وأولياؤه المعصومون (عليهم السلام) أما ان يؤدي التأثر بهم وحبهم الى التسليم المطلق والأخذ بكل ما يقولونه دون تمحيص وتيقن انه من عندالله فهو من مصاديق الوقوع في أسر (غلبة الرجال) التي يأمرنا النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) بالاستعاذة بالله عزوجل منها.

أيها الاخوة واالاخوات، ونجد في الأحاديث الشريفة تحذيراً شديداً من الاصغاء لأئمة الضلال والتأثر بأقوالهم كأحد مصاديق (غلبة الرجال)، ويبلغ التحذير درجة اعتباره التأثر بهم من مصاديق عبادة الشيطان، فمثلاً روي في كتاب الكافي مسنداً عن امامنا محمد التقي الجواد (صلوات الله عليه) أنه قال:

(من أصغى الى ناطق فقد عبده، فان كان الناطق يؤدي عن الله عزوجل فقد عبدالله وان كان الناطق يؤدي عن الشيطان فقد عبد الشيطان).

وتعبير الإصغاء يشير الى شدة التأثر بالناطق والخضوع لقوله وهو من مظاهر العبودية كما هو واضح.

وعليه يتضح أن الوسيلة المحورية للنجاة من (غلبة الرجال) هو أن يلتزم الانسان المؤمن بتمحيص كل قول يسمعه فلا يسمح للمشاعر الشخصية بالتأثير عليه ويحرص على أن لا يؤخذ الا ما يتيقن بكونه من عندالله تبارك وتعالى ومما بلغه أولياؤه المعصومون صلوات الله عليهم أجمعين.

وبهذا نكمل الحديث عن معنى ومصاديق (غلبة الرجال) وسبل النجاة منها، فنختم حلقه اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) شاكرين لكم أيها الأطائب طيب المتابعة، تقبلوا من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات ودمتم بكل خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة