البث المباشر

شرح فقرة: "والضيق وفساد الضمير..." (۳)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 14:44 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 69 من شرح أدعية النبي (ص)

 

بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي شرح صدورنا لمحبته بمودة وموالاة صفوته المنتجبين حبيبه المبعوث رحمة للعالمين محمد الصادق الامين وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.

السلام عليكم ايها الاكارم ورحمة الله وبركاته، معكم بتوفيق الله في حلقة جديدة من هذا البرنامج نستكمل فيها الحديث عن مصاديق الضيق وهو العامل السابع عشر من العوامل التي تسلب الانسان سعادة الدنيا والآخرة، طبق ما ورد في المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف، نتبرك اولاً بتلاوة هذا المقطع حيث يخاطب فيه نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) ربه الجليل قائلاً: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

مستمعينا الافاضل، عرفنا في الحلقتين السابقتين من هذا البرنامج أن معنى (الضيق) هو عدم امتلاك الانسان لما يكفيه ولو بمشقة لتلبية احتياجاته المادية والمعنوية ومثل هذا ينغص عليه بالطبع حياته مادياً ومعنوياً، وقد عرفنا أن السبيل المحوري للنجاة من هذا الضيق هو تقوى الله عزوجل فقد وعد الله من يتقيه بان يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وفرجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ.

كما ان من العوامل المهمة للنجاة من الضيق - خاصة في مصاديقه المعنوية- هو معرفة الحق واتباعه، لان الجهل تجاه أي أمر يوقع الانسان في الحيرة والشك وبالتالي في الضجر والملل نتيجة جهله بما ينبغي فعله تجاه الامر الذي يتعرض له الانسان وعندها يشعر بالضيق والهم والحزن.

والى هذا العامل للنجاة من الضيق المعنوي يشير مولانا الامام محمد الباقر (صلوات الله عليه) في الحديث المسند اليه في كتاب المحاسن أنه قال: (ان القلب ينقلب من لدن موضعه الى حنجرته - يعني يكون في ضيق وحيرة- ما لم يصب الحق، فاذا اصاب الحق قرّ، ثم ضمّ (عليه السلام) أصابعه وقرأ هذه الآية: «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً»).

ويبين لنا مولانا الامام جعفر الصادق (صلوات الله عليه) السبيل المتقدم للنجاة من (الضيق) بقوله كما في الكافي: (ان الله عزوجل اذا اراد بعبد خيراً نكت في قلبه نكتة من نور وفتح مسامع قلبه ووكل به ملكاً يسدده، واذا أراد بعبد سوءً نكت في قلبه نكتة سوداء وسد مسامع قلبه ووكل به شيطاناً يضله ثم تلا (عليه السلام) هذه الآية: «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء»).

ونستفيد من هذا الحديث الشريفة ان فتح الانسان عقله وقلبه على الحق واتباعه والاستعانة بالله في ذلك من أهم عوامل النجاة من الضيق الروحي في حين أن الغفلة القلبية عن ذلك واتباع وساوس الشيطان وتخويفه من الفقر ودعوته للقبائح من أهم العوامل التي تسبب للانسان الضيق الروحي وتغرقه في مشاقه.

أيها الاخوة والاخوات، كما يستفاد من الأحاديث الشريفة ان عمل الانسان بما عرفه من الحق من اهم وسائل دفع الضيق الروحي والنجاة منه، كما يشير لذلك مولانا الامام الصادق (عليه السلام) في رسالته التي كتبها لأصحابه والمروية في روضة الكافي، حيث قال: (واعلموا ان الله اذا اراد بعبد خيراً شرح صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فاذا أعطاه ذلك انطق لسانه بالحق وعقد قلبه عليه فعمل به، فاذا جمع الله له ذلك تم له اسلامه وكان عندالله ان مات على ذلك الحال من المسلمين حقاً، واذا لم يرد الله بعبد خيراً وكله الى نفسه وكان صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً فان جرى على لسانه حقٌ لم يعقد قلبه عليه واذا لم يعقد قلبه عليه لم يعطه الله العمل له فاذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين ... فَاتَّقُواْ اللَّهَ وسلوه ان يشرح صدوركم للاسلام وان يجعل السنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وانتم على ذلك ...).

ايها الاطائب، وفي حديث آخر يبين لنا مولانا الامام الرضا (عليه السلام) ان العامل الاساس الذي يذهب بالضيق الروحي هو التسليم لامر الله والثقة به عزوجل وبالتالي الايمان الصادق فهو الذي يبعد عن الانسان جميع مظاهر الضيق من الشعور بالقلق والخوف ونظائرها؛ فقد روي في كتاب عيون الاخبار أنه (عليه السلام) سئل عن قول الله عزوجل: «فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ»، فقال: (مَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ بايمانه في الدنيا الى جنته ودار كرامته في الآخرة يشرح صدره للتسليم لله والثقة به والسكون الى ما وعده من ثوابه حتى يطمئن اليه، «وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ» عن جنته ودار كرامته لكفره به وعصيانه له في الدنيا «يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً» حتى يشك في كفره ويضطرب من اعتقاد قلبه حتى يصير كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ).

وبهذا ننهي ايها الاكارم حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم على كرم المتابعة ودمتم بألف خير.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة