بِسْمِ اللَّهِ الرحمن الرحيم والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي شرح صدورنا بالإيمان به وبأوليائه الصادقين نبيه المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
سلامٌ من الله الرحمان الرحيم عليكم أخواتنا وإخوتنا المستمعين، على بركة الله نلتقيكم في حلقة جديدة من هذا البرنامج، نتابع فيها - بعون الله تبارك وتعالى- التعرف على مصاديق (الضيق) وهو العامل السابع عشر من العوامل التي علمنا حبيبنا الهادي المختار أن نطلب من الله عزوجل صرفها عنا حيث قال مناجياً ربه الجليل ومقسماً عليه بعزة أعظم أسمائه في ختام دعاء الحجب الشريف: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الاكارم، عرفنا في الحلقة السابقة معنى الضيق وأنه يعني حالة أشد العسر يكون فيها الانسان عاجزاً عن تلبية احتياجاته المادية والمعنوية بالمقدار الكافي، ومن مصاديقه المادية ضيق وضنك المعيشة وقد عرفنا من النصوص الشريفة سبل النجاة من هذا المصداق سواءً كان باختياره أو خارجاً عن إرادته وقد ذكرت النصوص الشريفة للضيق مصاديق أخرى منها في الجانب الاخلاقي حيث فسر بالبخل وعسر المعاملة مع الناس، والى هذا المصداق يشير مولانا الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) في عهده لمالك الاشتر (رضوان الله عليه) حيث يوصيه بأبعاد طوائف من الناس عن حاشيته معللاً ذلك ذلك بقوله: (فان في كثير منهم ضيقاً فاحشاً وشحاً قبيحاً).
كما فسر (الضيق) أيضاً بسوء الخلق في التعامل مع الناس، وهذا المعنى يشير اليه الوصي المرتضى في عهده المذكور حيث يوصي صاحبه مالك الاشتر عليه الرحمة بقوله عليه أفضل الصلاة والسلام: (ونح عنك الضيق والانف يبسط الله عليك بذلك أكناف رحمته ويوجب لك ثواب طاعته).
ومعنى الضيق هنا هو سوء الخلق في معاملة الناس أو النجل عليهم والأنف يعني الاستكبار عليهم.
ايها الافاضل، ومن مصاديق الضيق بمعنى البخل هو عدم أداء الحقوق الشرعية ومن آثاره السيئة الهم، روي في كتاب عيون أخبار الرضا (عليه السلام) والكافي وغيرهما أن رجلا سأل الامام علي الرضا (عليه السلام) أن يأذن له في الامتناع عن دفع الخمس لموارده الواجبة، فكتب (عليه السلام) في جوابه يقول: (ان الله واسعٌ رحيمٌ ضمن على العمل الثواب، وعلى الضيق الهم، لا يحل مال من وجه احله الله).
ويستفاد من هذا الحديث الشريف ان احد اسباب الضيق النفسي هو البخل خاصة في أداء ما أوجبه الله عزوجل.
وعليه يكون العلاج للنجاة من مصاديق الضيق بهذا المعنى هو التزام عرى التقوى وأداء ما افترضه الله والاستعانة به عزوجل للتحرر من أسر كل ما يصد عن طاعته، وهذه من أهم القواعد التي تنجى من مختلف مصاديق الضيق المادية والمعنوية واليها يشير قوله عزوجل في الآيتين الثانية والثالثة من سورة الطلاق حيث يقول الله أصدق القائلين: «وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً».
أيها الاخوة والاخوات، ان التقوى من شأنها ان تجعل ارتباط الانسان بالله تبارك وتعالى وثيقاً قوياً يفتح امامه ابواب الامل والرجاء والتوكل على الله عزوجل، فلا يسمح حينئذ لضيق المعيشة او المرض مثلاً ان يصيبه بسوء الخلق في التعامل مع الناس، فيمله حتى أهله، قال مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) في المروي عنه في كتاب (عيون الحكم والمواعظ): (من ضاق خلقه مله أهله).
كما أن التقوى والتوكل على الله عزوجل تقي الانسان من الانهيار في مواجهة الصعاب، قال امير المؤمنين (عليه السلام) ايضاً كما في ميزان الحكمة: (من ضاق صدره لم يصبر على أداء حق).
وهذا المعنى يبينه العلامة المجلسي في كتابه القيم (مرآة العقول في شرح اخبار آل الرسول) حيث يقول رحمه الله: (فإن من ضاق صدره بالشيء كان ذلك داعياً له الى تركه وقد وردت الرواية الصحيحة انه لما نزلت هذه الآية - يعني الآية ۱۲٥ من سورة الانعام- سئل رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن شرح الصدر ما هو؟
فقال (صلى الله عليه وآله): نورٌ يقذفه الله في قلب المؤمن، فينشرح له صدره وينفسح.
قالوا: فهل لذلك من أمارة - اي علامة- فيعرف بها؟
قال (صلى الله عليه وآله): نعم، الانابة الى دار الخلود والتجافي عن دار الغرور والاستعداد للموت قبل نزوله).
ويستفاد من هذه الرواية ان هذه الأمور الثلاثة هي من السبل العملية للنجاة من ضيق الصدر وهو أهم مصاديق الضيق المعنوي؛ والمزيد من بيانه يأتي بأذن الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة)، نشكر لكم طيب المتابعة، ولكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات، في أمان الله.