البث المباشر

شرح فقرة: "والغضب والعسر..." (٤)

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 14:47 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 63 من شرح أدعية النبي (ص)

 

بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ الذي جعلنا من أمة أبواب رحمته للعالمين حبيبه المصطفى الأمين وآله الطيبين الطاهرين صلواته وتحياته وبركاته عليهم أجمعين.

سلامٌ من الله عليكم ايها الاخوة والاخوات ورحمة منه وبركات، أهلاً بكم في حلقة اليوم من برنامجكم هذا، نتابع فيها بعون الله الاستنارة بالنصوص الشريفة التي تهدينا الى سبل النجاة من أضرار الغضب وهو العامل الخامس عشر من العوامل التي تسلب الانسان الحياة الطيبة وترديه في ظلمات الشقاء طبق ماهدانا اليه الهادي المختار (صلى الله عليه وآله الأطهار) في المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف حيث قال: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).

أيها الافاضل عرفنا في الحلقة السابقة ان التفكر في أضرار الاستسلام للغضب واستذكارها من العوامل المهمة المعينة في النجاة منها، وفي المقابل فان من هذه العوامل التفكر في ثمار وبركات ضبط الغضب وعدم السماح له بأمتلاك زمام النفس.

وهذا ما هدتنا اليه كثيرٌ من النصوص الشريفة، منها التأكيدات القرآنية على ان ذلك من صفات احباء الله الذين خصهم بما هو خيرٌ وابقى، كما يشير لذلك قوله تبارك وتعالى في الآيتين ۳٦ و۳۷ من سورة الشورى: «فَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ».

وروي في تفسير علي بن ابراهيم (رضوان الله عليه) عن الامام الباقر (عليه السلام) في بيان قوله عزوجل: «وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ»، قال:

(من كظم غيضاً وهو يقدر على امضائه حشا الله قلبه أمنا وايماناً يوم القيامة ... ومن ملك نفسه اذا رغب واذا رهب واذا غضب حرم الله جسده على النار).

وقال (عليه السلام) كما في الكافي: (الندامة على العفو افضل وايسر من الندامة على العقوبة).

وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (من كظم غيضاً ولو شاء ان يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه يوم القيامة رضاه).

وفي الكافي أيضاً عن الباقر (عليه السلام) قال: (كان [ابي] علي بن الحسين يقول: إنه ليعجبني الرجل أن يدركه حلمه عند غضبه).

وقال الامام زين العابدين (عليه السلام) أيضاً: (من أحب السبل الى الله عزوجل جرعتان جرعة غيظ تردها بحلم وجرعة مصيبة تردها بصبر).

إذن فمن أهم بركات ضبط الغضب وعدم الاستسلام له هو الفوز بحب الله عزوجل والدخول في رفقة احبائه إذ ان ذلك من علامات استكمال الايمان كما يصرح بذلك حبيبنا المصطفى في الحديث المروي عنه في كتب المحاسن والكافي والخصال أنه (صلى الله عليه وآله) قال: (ثلاث خصال من كن فيه يستكمل خصال الايمان، الذي اذا رضي لم يدخله رضاه في باطل، واذا غضب لم يخرجه غضبه من الحق، واذا قدر لم يتعاط ما ليس له).

وباستكمال الايمان يحظى المالك لنفسه عند الغضب بقرب الله عزوجل وهذا من عظيم بركات السيطرة على الغضب، روي في كتاب الامالي للصدوق والكافي وغيرهما عن مولانا الامام جعفر الصادق (عليه السلام) قال: (ثلاثة هم أقرب الخلق الى الله عزوجل يوم القيامة حتى يفرغ من الحساب: رجل لم تدعه قدرته في حال غضبه الى أن يحيف على من تحت يده، ورجلٌ مشى بين إثنين فلم يمل مع احدهما على الآخر بشعيرة، ورجلٌ قال الحق فيما عليه وله).

كما أن من بركات السيطرة على الغضب الفوز بولاية الله اي قربه ونصرته، فقد روي في الكافي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (أوحى الله عزوجل الى بعض أنبيائه: يا أبن آدم، إذكرني في غضبك أذكرك في غضبي، لا أمحقك فيمن أمحق وأرض بي منتصراً فإن انتصاري لك خيرٌ من انتصارك لنفسك).

ايها الاخوة والاخوات، وتهدينا النصوص الشريفة الى أن من بركات ضبط الغضب ستر النفس من المعائب التي تظهرها الاعمال غير المناسبة لمن انساق لغضبه وهذا ما يشير اليه امامنا الصادق (عليه السلام) في قوله المروي في الكافي: (من كف غضبه ستر الله عورته). أي معايبه، وفي ذلك اشارة الى ان كف الغضب وسيلة لاصلاح النفس وتهذيبها؛ كما ان في ذلك تقوية للنفس المطمئنة والقوة العاقلة، فضبط الغضب هو وسائل قوة الشخصية، روي في كتاب تحف العقول عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) انه قال: (إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب)، وجاء في حديث آخر انه (صلى الله عليه وآله) خرج يوماً فرأى جماعة يدحون صخرة كبيرة فقال: (أشدكم من ملك نفسه عند الغضب وأحملكم من عفا بعد المقدرة).

ولذلك فقد قال الامام محمد الباقر (عليه السلام) في وصية للعبد الصالح جابر الجعفي المنقولة في كتاب (تحف العقول): (ولا جهاد كمجاهدة الهوى ولا قوة كرد الغضب).

وفي غرر الحكم قال أمير المؤمنين (عليه السلام): (أقوى الناس من قوي على غضبه بحلمه).

مستمعينا الاطائب، واضافة لكل ما تقدم فقد هدتنا النصوص الشريفة الى وسائل أخرى يستعان بها للسيطرة على الغضب ودرء اضراره والفوز ببركاته، وهذا ما سنتطرق اليه ان شاء الله في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة) لكم جزيل الشكر على طيب المتابعة ولكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران خالص الدعوات، دمتم في أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة