بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ المتحبب لخلقه بأحسانه، والصلاة والسلام على المبعوث برحمته لخلقه محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم احباءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته، معكم في لقاء آخر من هذا البرنامج نتابع فيه الحديث عن (الغضب) وهو العامل الخامس عشر من العوامل التي أمرنا حبيبنا الهادي المختار (صلى الله عليه وآله) بالاستعاذة بالله منها لأنها تسلبنا سعادة الدين حيث قال في المقطع الختامي من دعاء الحجب الشريف: (اللهم ... أسألك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وأن تصرف عني وعن أهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والشقاق والنفاق، والضلالة والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة، وشماتة الاعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
عرفنا في الحلقة السابقة مستمعينا الاطائب معنى الغضب وكونه يعني حالة نفسية تحرك النفس باتجاه استعمال الشدة والقوة والإيذاء قبال شيء الآخر، وهو ممدوح اذا كان لله عزوجل وفي الحق واذا اوحد الحزم والحسم في مواجهة الباطل مهما اشتد.
في حين ان الغضب مذمومٌ هو ما يؤدي الى الخروج عن الاعتدال في التعقل والسكون فيوقع الانسان فيما لا يحمد عقباه، وضده في الاخلاق الحلم عند هيجان النفس.
كما عرفنا من القرآن الكريم ان الغضب اذا لم يضبط في دائرة الحق جر الانسان الى الباطل وأعماه عن الحق.
من هنا فلابد من اجتنابه والاستعانة بالله عزوجل والطلب من الله عزوجل ان يصرفه عنا كما يعلمنا ذلك نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) في دعاء الحجب الشريف.
ومن الوسائل المهمة لاجتناب الغضب التفكر في اضراره وآثاره السيئة في سلب الانسان الحياة الطيبة وايقاعه في الشقاء، وقد اعانتنا احاديث اهل بيت الرحمة المحمدية (عليهم السلام) في ذلك ببيان هذه الاضرار؛ وهذا ما نتناوله في هذا اللقاء، ونبدأ بقول رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في الكافي: (الغضب يفسد الايمان كما يفسد الخل العسل)، وجاء في رواية ثانيه: كما يفسد الصبر - وهو النبات المر- العسل، أي ان الغضب يذهب بحلاوة الايمان.
وعن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (الغضب مفتاح كل شر).
وعن الامام الباقر (عليه السلام) قال: (اي شيء أشد من الغضب؟ ان الرجل ليغضب فيقتل النفس التي حرم الله ويقذف المحصنة).
وروي في كتاب الزهد للحسين بن سعيد الاهوازي عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (ان ابليس كان مع الملائكة وكانت الملائكة تحسبه منهم وكان في علم الله انه ليس منهم، فلما أمر بالسجود لآدم (عليه السلام) حمي وغضب فاخرج الله ما كان في نفسه بالحمية والغضب).
وكما تلاحظون - مستمعينا الافاضل- فان الاحاديث الشريفة تصرح بان الغضب خاصة اذا كان للنفس يذهب بالايمان ويفسده اي يبعد الانسان عن الحق وعن الله عزوجل ويوقعه في الموبقات، وهو الذي اوقع الشيطان في خطيئته الكبرى الذي أبعدته عن الرحمة الالهية، ولذلك فهو من اهم حبائله لابعاد الناس عن الله وسعادة قربه، فقد روي في كتاب جامع الاخبار عن النبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) قال: (الغضب جمرة من الشيطان)، وفيه أيضاً: قال ابليس عليه اللعنة: الغضب رهقي ومصيادي وبه أصد خيار الخلق عن الجنة.
وهذا يعني ان الانسان اذا لم يسيطر على غضبه وقع فريسة للشيطان وصار من جنده، فيرتكب الموبقات ويبوء بسخط الله عزوجل، روي في الكافي عن مولانا الامام الباقر (عليه السلام) قال: (ان هذا الغضب جمرة من الشيطان توقد في قلب ابن آدم، وان احدكم اذا غضب احمرت عيناه وانتفخت اوداجه ودخل الشيطان فيه، فاذا خاف احدكم ذلك من نفسه فليلزم الارض فان رجز الشيطان ليذهب عنه عند ذلك).
وقال )عليه السلام( ايضاً في حديث آخر مشيراً الى أثر الغضب في استجلاب السخط الالهي والوقوع في نار الدنيا والآخرة: (ان الرجل ليغضب فما يرضى ابداً حتى يدخل النار، فأيما رجلٌ غضب على قوم وهو قائم فليجلس من فوره ذلك، فانه سيذهب عنه رجز الشيطان، وايما رجلٌ غضب على ذي رحم فليدن منه فليمسه فان الرحم اذا مست سكنت).
وفي الاحاديث المتقدمة –خاصة حديثي الامام الباقر (عليه السلام) اشارات الى حقائق مهمة في بيان اخطار الاستسلام للغضب، منها ان عدم ضبط الانسان لمشاعر الغضب والسعي للتنفيس غير المشروع عنها يوقعه في دوامة استمرار الغضب لعدم اقتناع النفس والشيطان بكل ما يقوم به، بمعنى ان الاستجابة لنار الغضب يزيد من اشتعالها، وكذلك لان الغضب يوقعه في سلوكيات لايرضاها فيغضب من اجل ذلك ولا يرضى حتى يدخل النار.
كما ان في هذه الاحاديث هداية الى وسائل عملية لمعالجة الغضب والسيطرة عليه منها مبادرة الانسان فوراً ودون تأخير الى تغيير حاله عند الغضب، كان يجلس اذا كان قائماً، اي يقوم بما من شأنه صرف نظره عن العوامل التي ادت الى الغضب، ومنها ان يمسك يد من غضب عليه اذا كان من ارحامه لان ذلك يؤدي الى بعث رحمة القرابة والرحم في قلبه فينصرف بذلك عن التعامل معه بما لا ينبغي نتيجة الغضب.
اعزاءنا مستمعي اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
وفي الاحاديث الشريفة هدايات أخرى الى سبل النجاة من هذا العامل من العوامل المدمرة لسعادة الانسان نتابع الاستنارة بها في الحلقة المقبلة من برنامجكم (ينابيع الرحمة). نشكر لكم طيب المتابعة ودمتم في رعاية الله سالمين آمنين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.