بِسْمِ اللَّهِ وله الحمد والمجد غاية آمال العارفين وانيس الذاكرين تبارك وتعالى رب العالمين والصلاة والسلام على سادة المخلصين حبيبه المبعوث رحمة للعالمين وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم احبتنا المستمعين ورحمة الله وبركاته، اطيب تحية نحييكم بها ونحن ندعوكم لمرافقتنا في حلقة اليوم من هذا البرنامج، حيث نواصل التعرف على الاحاديث الشريفة التي تهدينا لسبل التطهر من النفاق بجميع مراتبه، وذلك ضمن شرح الفقرة التي نطلب فيها العون على ذلك من الله عزوجل ونحن نتوجه اليه بدعاء الحجب الشريف الذي امرنا نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) بالمواظبة عليه كاحد اهم ادعية اهل بيت الرحمة (عليهم السلام) التي تهدي الى الحياة الطيبة الكريمة.
وقد خصصنا ايها الاكارم عدة حلقات من البرنامج لهذا الموضوع انسجاماً مع الآيات الكريمة والاحاديث الشريفة التي اهتمت بهداية المؤمنين الى سبل الوقاية من النفاق بمختلف درجاته ومراتبة وذلك لخطورة آثاره في حرمان الانسان من السعادة والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة.
وقد تعرفنا على جملة من هذه السبل في الحلقات السابقة اهمها تقوية الارتباط بالله عزوجل وذكره في السر واقامة الصلاة بنشاط وضبط اللسان في دائرة الشريعة، ونتعرف في هذا اللقاء من النصوص الشريفة على وسائل اخرى، فتابعونا على بركة الله.
قال الله تبارك وتعالى في الآيات ۷٥ الى ۷۷ من سورة براءة: «وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ، فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ، فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ».
وكما هو واضحٌ من هذه الآيات الكريمة فان عدم الصدق والوفاء بما يعاهد المؤمن ربه عليه سبب للوقوع في مستنقع النفاق كما وقع فيه ثعلبه بن حاطب الانصاري الذي نزلت في شانه هذه الآيات، وقد ذكر المفسرون انه كان فقيراً فقال للنبي (صلى الله عليه وآله): ادعو الله ان يرزقني مالاً والذي بعثك بالحق لئن رزقني الله مالاً لاعطين كل ذي حق حقه، فقال (صلى الله عليه وآله): اللهم ارزق ثعلبة مالاً، فاتخذ غنما فنمت غنمه حتى ضاقت عليه المدينة فتنحى عنها ونزل واديا من اوديتها ثم كثرت غنمه حتى تباعد عن المدينة المنورة واشتغل بثروته عن الجمعة وحضور الصلاة خلف رسول الله، وبعث (صلى الله عليه وآله) عامله ليأخذ صدقة الزكاة منه فابى وبخل وقال: ما هذه الا اخت الجزية، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويح ثعلبة، فانزل الله بشأنه هذه الآيات التي تحكم بسقوطه في مستنقع النفاق الى الموت.
ونستفيد من هذه الآيات ان احد سبل الوقاية من سقوط المؤمن في النفاق بمختلف مراتبه هوالصدق والوفاء فيما يعاهد الله عليه صغيراً كان او كبيراً، فبذلك يحفظ ايمانه من الشرك والكفر، فقد جاء عن مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال كما في كتاب غررالحكم: (النفاق يفسد الايمان، النفاق اخو الشرك، النفاق توأم الكفر).
وجاء في كتاب ميزان الحكمة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال: (المنافق من اذا وعد اخلف واذا فعل افشى - اي اذا فعل خيراً اكثر التفاخر به، واذا قال كذب واذا رزق طاش - اي اغتر).
وعن مولانا الامام زين العابدين (عليه السلام) قال: (المنافق ينهى ولا ينتهي ويأمر بما لا يأتي، اذا قام في الصلاة اعترض - اي اكثر التلفت- واذا ركع ربض واذا سجد نقر...).
وعن مولانا الامام الصادق (عليه السلام) قال: (المنافق لا يرغب فيما قد سعد به المؤمنون والسعيد يتعظ بموعظة التقوى وان كان يراد بالموعظة غيره).
وفي حديث الامام الصادق (عليه السلام) اشارة الى ان من علامات المنافق عدم الرغبة في الموعظة والنصيحة التي يسعد بها المؤمنون الصادقون، فهو تأخذه العزة بالاثم ان دعته المواعظ الالهية للتقوى حسب التعبير القرآني.
وجاء في كتاب (غرر الحكم) عن مولانا امير المؤمنين (عليه السلام) انه قال: (اظهر - وفي رواية اشد- الناس نفاقاً من امر بالطاعة ولم يعمل بها ونهى عن المعصية ولم ينته عنها).
ايها الاخوة والاخوات، الاحاديث الشريفة المتقدمة تهدينا الى وسائل اخرى للوقاية من مرض النفاق بجميع مراتبه وهذه الوسائل تتمثل في اجتناب العلامات التي تذكرها للمنافق، مثل عدم الوفاء بالوعد وذكر ما يفعله من الخير والكذب والاغترار بالمتع والثروة المادية، ونهي الآخرين عما لا ينتهي هو عنه من المعاصي وامرهم بما لا يفعله من الطاعات والاستخفاف بالصلاة والتكبر على الموعظة ونظائر ذلك من الممارسات التي تنمي النفاق في القلب فتفسد ايمانه وتسلبه بالتالي السكينة والطمأنينة الروحية وتجره الى الشقاء والعذاب في الدنيا والآخرة اجارنا الله من كل ذلك ببركة التمسك بحبل الله المتين محمد وآله الطاهرين (صلوات الله عليهم اجمعين).
وبهذا ننهي ايها الاكارم حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم له مشكورين من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، تقبل الله اعمالكم ودمتم بالف خير.