بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولي كل نعمة ومبدا كل رحمة ومعدن كل حكمة تبارك وتعالى اكرم الاكرمين وارحم الراحمين واحكم الحاكمين.
والصلاة والسلام على ابواب رحمة الله للعالمين نبيه المصطفى الامين وآله الطيبين الطاهرين السلام عليكم ايها الاخوة والاخوات ورحمة الله وبركاته، اطيب تحية نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج.
ايها الاطائب، في الحلقة السابقة من البرنامج انتهينا الى معرفة عامل (النفاق) كاحد اهم العوامل المنفصة للحياة الطيبة الكريمة، ولذلك يعلمنا حبيبنا المصطفى (صلى الله عليه وآله) ان نستعين بالله للتطهر منه طالبين منه عزوجل ان يدفعه عنا وعن جميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ.
وقد تقدم في الحلقة السابقة الحديث الى أن (للنفاق) مراتب كثيرة تجعله لا ينحصر بالمصداق الشائع للمنافقين الذي يكيدون للاسلام واهله، بل ان بعض مراتبه يمكن ان يبتلى بها المؤمنون ولذلك ينبغي الحذر منها وفي هذا اللقاء نتابع الحديث عن هذا الموضوع من خلال استعراض ابرز مصاديق هذه المراتب من النفاق وسبل التطهر منها، تابعونا على بركة الله.
مستمعينا الاطائب في الآيات الثامنة الى العشرين من سورة البقرة يبين الله عزوجل جملة من صفات المنافقين وسلوكياتهم المنحرفة مشيراً على سوء عاقبتهم ومبيناً العلة الاساس للنفاق بقوله عزوجل في الآية العاشرة: «فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ».
فواضحٌ من هذه الآية الكريمة ان الكذب والمرض القلبي هو منشا ابتلاء الانسان بالنفاق بمختلف مراتبه، وهذا المرض القلبي هو حالة الذل النفسي كما يشير لذلك مولانا الامام علي امير المؤمنين (عليه السلام) حيث يقول كما في كتاب (غرر الحكم): (نفاق المرء من ذل يجده في نفسه، والنفاق من أثافي الذل - اي دعائمه- والكذب يؤدي الى النفاق).
من هنا يتضح ان تقوية المؤمن لروح العزة الحقيقية بالارتباط الصادق بالله عزوجل هو من اهم العوامل التي تحصن الانسان من الوقوع في شباك النفاق، لان النفاق وليد الشعور بالذل، والمنافق يسعى بنفاقه وتظاهره بما ليس فيه من صلاح الى تغطية هذا الذل او النقص الذي يشعر به فاذا تحصن بشعور العزة الايمانية وقاه الله من الذي المؤدي الى النفاق.
ايها الاطائب ونتدبر معاً في الآيتين ۲۹و۳۰ من سورة محمد (صلى الله عليه وآله) ففيها اشارة مهمة الى علامات النفاق اي الى السلوكيات التي تكشف ابتلاء الانسان بمرتبة من مراتب النفاق، قال الله اصدق القائلين: «أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ، وَلَوْ نَشَاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ».
ومن هذه الآية الكريمة يتضح ان لحن القول او طريقة الكلام تكشف عن تسرب مرض النفاق الى الانسان، وهذا ما فصلته احاديث شريفة عدة، فقد روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كما في كتاب (ميزان الحكمة) انه قال: (اربع من كن فيه فهو منافق وان كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: من اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا عاهد غدر واذا خاصم فجر).
وقال (صلى الله عليه وآله) في نصاء آخر: (آية المنافق ثلاث اذا حدث كذب واذا وعد اخلف واذا ائتمن خان).
وجاء في الحكم العلوية في نهج البلاغة قول مولانا الامام علي (عليه السلام): (لسان المؤمن من وراء قلبه وان قلب المنافق من وراء لسانه).
وقال (عليه السلام) ايضاً في وصف المنافقين اعاذن الله من صفتهم: (يمشون الخفاء ويدبون الضراء قولهم الدواء - يعني في ظاهره- وفعلهم الداء العياء - اي الذي لا علاج له، يتقارضون الثناء ويتقاربون الجزاء، يتوصلون الى الطمع بالياس ويقولون فيشبهون، ينافقون في المقال ويقولون فيوهمون).
وفي كتاب غرر الحكم عنه (عليه السلام) قال: (بالكذب يتزين اهل النفاق، والمنافق قول جميلٌ وفعله الداء الدخيل، لنفسه مداهن وعلى الناس طاعن، مثله كمثل الحنظلة الخضرة اوراقها المرّ مذاقها).
والاحاديث الشريفة بهذه المضامين كثيرة نتعلم منها ان من سبل التطهر من النفاق والتحصن من الممارسات النفاقية هو اجتناب الكذب وضبط اللسان في دائرة القول الجميل الطيب الذي لا تملق فيه ولا خيانة ولا اساءة لاحد بغير حق؛ وكذلك الحرص على ان يكون لسان الانسان وراء قلبه اي لا يتطق بشيء الا بعد ان يفكر فيه ويعرف صحته، لكي لا يضطر الى معالجة الامر بالكذب والنفاق للتغطية على ما كان ينبغي ان لا يصدر عنه.
ايها الاكارم وقد عرفتنا النصوص الشريفة بعلامات اخرى للنفاق نوكل الحديث عنها الى فرصة لا حقة باذن الله فقد انتهى الوقت المخصص لحلقة اليوم من برنامج (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، شكراً لكم وفي امان الله.