بِسْمِ اللَّهِ والْحَمْدُ لِلَّهِ ولا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ الملك الْحَقُّ الْمُبِينُ تبارك وتعالى ارحم الراحمين وازكى صلواته وبركاته وتحياته على مشارق نوره المستبين ومورثي عباده الايمان واليقين حبيبه المصطفى الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم احبتنا المستمعين، اطيب تحية نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم ونحن نلتقيكم مرة اخرى في رحاب دعاء الحجب الشريف، لنعيش دقائق مباركة مع مقطعه الختامي مقتدين بالنبي الاكرم (صلى الله عليه وآله) وهو يدعو ربه الجليل باسمه الاعز المبارك قائلاً: (اسالك بعزة ذلك الاسم ان تصلي على محمد وآل محمد، وان تصرف عني وعن اهل حزانتي وجميع الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ، جميع الآفات والعاهات، والاعراض والامراض، والخطايا والذنوب، والشك والشرك، والكفر والشقاق، والنفاق والضلالة، والجهل والمقت، والغضب والعسر، والضيق وفساد الضمير، وحلول النقمة وشماتة الأعداء وغلبة الرجال، إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاء لطيف لما تشاء ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم).
ايها الاكارم، انتهى بنا التأمل في فقرات هذا الدعاء الشريف الى قوله: (والشك والشرك) وفيها يعلمنا الهادي المختار (صلوات ربي عليه وآله الاطهار) ان نطلب من الله جلت قدرته ان يصرف عنا الشك والشرك، فما معنى كل منهما، وما العلاقة بينهما. وما هي آثارهما في حرمان الانسان من الحياة الطيبة الكريمة؟
ايها الاخوة والاخوات، الذي نستفيده من كتب اللغة واستخدام مفردة الشك في القرآن الكريم والنصوص الشريفة، ان الشك حالة نفسانية تقابل الايمان واليقين وان منشؤها وساوس الشيطان فيما يرتبط بالشك بالعقائد الايمانية الحقة قال الله تبارك وتعالى في الآيتين ۲۰ و۲۱ من سورة سبأ: «وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ، وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِالآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ».
وكما تلاحظون مستمعينا الافاضل فان هذا النص القرآني يجعل الشك في مقابل كضد له والمؤمنين في مقابل اتباع الشيطان في اشارة الى ان الوساوس الشيطانية هي منشأ الشك، وقد ورد في حديث الامام المهدي قوله (عليه السلام) لاحد اصحابه: (ود الشيطان ان تشك).
ايها الاطائب، ومثلما ان الايمان يولد السكينة الروحية والطمأنينة القلبية فان الشك يولد عكس ذلك من الحيرة والتردد، قال تبارك وتعالى في الآية ۲۸ من سورة الرعد: «الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ»، وقال في الآيات ۲۷ الى ۳۰ من سورة الفجر: «يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي».
وفي المقابل قال عزوجل عن آثار الشك في الآية ٦٦ من سورة النمل: «بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِّنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ»، اي حالهم كحال الأعمى، وقال تبارك وتعالى في الآية ٤٥ من سورة التوبة: «إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ»، ومعنى يَتَرَدَّدُونَ هنا هو يتحيرون من التردد بمعنى الحيرة، وقد روي في كتاب الخصال عن امير المؤمنين (عليه السلام) قال: (من تردد في الريب - اي الشك- سبقه الاولون وادركه الآخرون ووطاته سنابك الشياطين)، وقوله (عليه السلام): (وطاته سنابك الشياطين)، اشارة الى استحواذ الشياطين على الشاك المرتاب وتدميرهم لطاقاته فيما لا جدوى منه، فيمنعونه عن التحرك النافع فيسبقه الاولون ويدركه الآخرون؛ فيما ينشغل الشاك فيما لافائدة منه، قال تبارك وتعال في الآيات ۷ الى ۹ من سورة الدخان: «رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ، لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ، بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ».
هذه احباءنا بعض النصوص الشريفة المبينة لآثار الشك فماذا الذي نستفيده منها؟ الاجابة تأتيكم بعون الله بعد قليل فابقوا معنا:
مستمعينا الاعزة، ان التدبر في النصوص الشريفة المتقدمة يفيدنا ان الشك بالله عزوجل وما يتفرع عنه من الشك في اصول الايمان اي المعاد والنبوة والامامة، يؤدي الى شل حركة الانسان ويوقعه في اسر الحيرة والتردد وبالتالي يجعله فريسة للشيطان، فينشغل عن اعمار آخرته وعلى التحرك عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ المؤدي للسعادة والحياة الكريمة الطيبة لان عمل الشيطان هو الصد عن سبيل الله، وبذلك يغرق الانسان في مستنقع اتلاف فرصة الحياة الدنيا باللهو واللعب بدلاً عن استثمارها في اكتساب الفضائل والتزود للحياة الحقيقة الخالدة في الدار الآخرة.
واضافة لذلك فان حتى هذا اللعب واللهو يكون مقروناً بالقلق والاضطراب النفسي وانعدام السكينة والمطأنينة التي هي ثمرة الايمان، ولذلك نلاحظ شيوع ظاهرة الانتحار في المجتمعات التي تتفشى فيها ظاهرة انعدام الايمان والشكوك العقائدية على الرغم من توفر الرفاه المادي فيها.
والسر في ذلك ان الايمان بالله هو أمر فطري في حين ان الشك يخالف الفطرة السليمة ولذلك يعيش الشاك في حالة صراع داخلي مع فطرته، وهذا الصراع يفقده السكينة والاستقرار الروحي، والى فطرية الايمان وتناقض الشك مع الفطرة السليمة يشير قوله تعالى في الآية العاشرة من سورة ابراهيم: «قالت رسلهم أفي الله شك فاطر السموات والارض يدعوكم ليغفر لكم ذنوبكم».
اذن فدعاء الحجب الشريف يعلمنا في هذه الفقرة ان نطلب من الله ان يصرف عنا الشك في حقائق الايمان لان هذا الشك من اهم الاسباب التي تحرم الانسان من السعادة والحياة الكريمة.
اعزاءنا مستمعي اذاعة طهران، اما معنى الشرك واثره في سلب الانسان الحياة الكريمة، فهو موضوع الحلقة المقبلة من برنامج (ينابيع الرحمة). فلم يبق من وقت هذا اللقاء الا ان نودعكم شاكرين ودمتم بالف خير.