البث المباشر

شرح فقرة: "فتراجعت القلوب إلى الصدور عن البيان بإخلاص الوحدانية..."

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:26 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 22

 

بسم الله وله خالص الحمد والثناء ذي الفضل والاحسان، وازكى صلواته على اعلام توحيده وامنائه في عباده المصطفى الامين محمد وآله الطيبين الطاهرين سلام من الله عليكم ايها الاطائب، اطيب تحية ملؤها الرحمة من الله والبركات نهديها لكم في مطلع لقاء اليوم من هذا البرنامج نتابع فيها استلهام دروس الحياة الطيبة من فقرات المقطع الثالث من دعاء الحجب الشريف او دعاء الاحتجاب بالله عزوجل الذي رواه السيد علي بن طاووس (رضوان الله عليه) في كتابه القيم مهج الدعوات عن الهادي المختار صلى الله عليه وآله الاطهار.

وجاء في هذا المقطع قول الداعي: (اللهم ... اسالك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك وبكل اسم هو لك سميت به نفسك او استاثرت به في علم الغيب عندك، وبكل اسم هو لك انزلته في كتابك، او اثبته في قلوب الصافين الحافين حول عرشك فتراجعت القلوب الى الصدور عن البيان باخلاص الوحدانية وتحقيق الفردانية مقرة لك بالعبودية وبانك انت الله انت الله انت الله لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ).

في الحلقة السابقة عرفنا من النصوص الشريفة ان الصافين الحافين حول عرش الله هم في اعلى مراتب مصاديقهم محمد واهل بيته الطاهرون (صلى الله عليه وعليهم) ثم الملائكة حسب مراتبهم والمقتدون بالمنهج التوحيدي المحمدي حسب مراتبهم أيضاً.
فهؤلاء هم الذين يثبت الله في قلوبهم الحقائق الملكوتية لاسمائه الحسنى فيعبدونه ويوحدونه بالتوحيد الخالص.

والى هذه المراتب يشير نبينا الاكرم (صلى الله عليه وآله) في وصيته الشهيرة عند وفاته المروية من طرق الفريقين وفي مصادرهم المعتبرة التي ذكرها مؤلف كتاب الصحيح من سيرة النبي الاعظم في الجزء الثاني والثلاثين منه، وقد جاء في جانب منها: (واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري، فاول من يصلي علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه ثم جبرئيل وميكائيل واسرافيل ثم ملك الموت في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم الا الله عزوجل ثم الحافون بالعرش ثم سكان اهل سماء فسماء ثم جل اهل بيتي ونسائي الاقربون فالاقربون، ...).

مستمعينا الافاضل، والفقرة التالية من هذا الدعاء الشريف تبين لنا اثر تثبيت الله عزوجل لحقيقة اسمائه الحسنى في قلوب الصافين الحافين بالعرش الالهي حيث تقول اولاً: (فتراجعت القلوب الى الصدور عن البيان باخلاص الوحدانية وتحقيق الفردانية مقرة لك بالعبودية وانك انت الله انت الله انت الله لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ).

العبارة الاولى تذكر تراجع القلوب الى الصدور عن البيان، وفيها اشارة بليغة الى عبور المؤمن الذي ثبت الله اسماءه في قلبه، عبوره مرحلة البيان والالفاظ والادراك العقلي المجرد لتوحيد الله عزوجل، وانتقاله من هذه المرتبة الى مرتبة اعلى، اي من التوحيد النظري العقلي الى مرتبة التوحيد القلبي، والذي يميز هذه المرحلة هو (اخلاص الوحدانية وتحقيق الفردانية)؛ فما المقصود بذلك؟

في الاجابة عن هذا السؤال نقول: ان اخلاص الوحدانية وتحقيق الفردانية يعني انفتاح قلب المؤمن وجدانيا وشهودياً على وحدانية الله عزوجل، وقد ذكر علماء اللغة ان الوحدانيه تعني حالة الواحد المساوية للتفرد التي يختص بها الله تبارك وتعالى، والانفتاح القلبي عليها يعني مشاهدة المؤمن يعين قلبه وتذوقه بالذائقة المعنوية لحقيقة ان الله واحد فرد لا شريك له.

والفرق بين هذه المرتبة ومرتبة الادراك العقلي لوحدانية الله، كالفرق بين من يعلم نظرياً اثر النار في التدفئة وبين من يشعر بالدف لمجاورته للنار.

وبالانتقال الى هذه المرتبة الشهودية الوجدانية في توحيد الله عزوجل، يندفع المؤمن للاقرار بالعبودية لله عزوجل قلبياً كما تشير لذلك هذا الدعاء الشريف حيث يقول: (مقرة لك بالعبودية وانك انت الله انت الله انت الله لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ).

وتكرار عبارة (انت الله) ثلاث مرات تختم بعبارة (لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ)، يشير الى مراتب التوحيد الخالص الثلاث وهي: التوحيد النظري العقلي ثم التوحيد الوجداني القلبي والشهودي، ثم التوحيد العبادي والسلوكي وهذه المرتبة هي المرتبة العليا التي يصبح الانسان فيها عابداً لله في جميع حركاته وسكناته وكانه متعلق بعرش الله، اي يدخل في زمرة الصافين الحافين بالعرش.

ايها الاخوة والاخوات، والى هذه المراتب التوحيدية الثلاث واثر تثبيت الاسماء الالهية في القلب والتمسك بولاية اولياء الله الصادقين في الوصول الى اعلى مراتب التوحيد، الى كل ذلك يشير مولانا الامام الصادق (عليه السلام) وهو يصف تثبيت هذه الاسماء الالهية بالنور الذي يؤيد الله به عقل المؤمن، فقد روي في كتاب الكافي عنه (عليه السلام) انه قال: (دعامة الانسان العقل، والعقل منه الفطنة والفهم والحفظ والعلم، وبالعقل يكمل وهو دليله ومبصره ومفتاح امره، فاذا كان تاييد عقله من النور، كان عالماً حافظاً ذاكراً فطناً فهماً، فعلم بذلك كيف ولم وحيث، وعرف من نصحه ومن غشه، فاذا عرف ذلك عرف مجراه وموصوله ومفصوله [اي الولاية والبراءة] واخلص الوحدانية لله والاقرار بالطاعة، فاذا فعل ذلك كان مستدركاً لما فات ووارداً على ماهو آت [يعني من مراتب العبودية والقرب]، ويعرف ما هو فيه ولاي شيء هو هاهنا، ومن اين يأتيه [يعني ما ياتيه من اسباب القرب الالهي] والى ما هو صائر وذلك كله من تاييد العقل).

وبهذا الحديث النوراني، لمولانا الامام الصادق (عليه السلام) ننهي ايها الاطائب حلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) استمعتم لها من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران شكراً لكم وفي امان الله.

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة