البث المباشر

شرح فقرة: "أو أثبته في قلوب الصافين الحافين حول عرشك..."

الأحد 3 أكتوبر 2021 - 17:26 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- ينابيع الرحمة: الحلقة 21

 

بسم الله والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وله الثناء والمجد اكرم الاكرمين وارحم الراحمين، وخالص صلواته وتحياته وبركاته على كنوز رحمته العظمى للعالمين محمد المصطفى وآله الطيبين الطاهرين السلام عليكم احبتنا المستمعين؛ طابت اوقاتكم بكل ما تحبون واهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج، ووقفة تاملية نتعرف فيها على مفاتيح استجلاب الرحمة الالهية من فقرات المقطع الثالث من دعاء الحجب الشريف، وفيه يعلمنا حبيبنا الهادي المختار (صلوات ربي عليه وآله الاطهار) ان نتوجه الى الله في طلب حاجاتنا بالقول: (اللهم ... اسالك بمعاقد العز من عرشك، ومنتهى الرحمة من كتابك، وبكل اسم هو لك سميت به نفسك، او استاثرت به في علم الغيب عندك، وبكل اسم هو لك انزلته في كتابك او اثبته في قلوب الصافين الحافين حول عرشك فتراجعت القلوب الى الصدور عن البيان باخلاص الوحدانية وتحقيق الفردانية مقرة لك بالعبودية وانك انت الله انت الله انت الله لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ، ...).


ايها الاطائب، تاملنا في هذه الحلقة هو في فقرة: (او اثبته في قلوب الصافين الحافين حول عرشك)، فما الذي نستفيده منها؟


نبدا الاجابة بالاشارة الى ان ضمير الهاء في فعل اثبته يعود على اسم المذكور في الفقرة السابقة اي قول الدعاء: (وبكل اسم هو لك انزلته في كتابك)، فمعنى الفقرة هو: اننا نسالك اللهم بكل اسم من اسمائك الحسنة اثبته في قلوب الصافين الحافين حول عرشك.


وهذه الاسماء هي غير الاسماء الظاهرية العامة التي انزلها الله جل جلاله وبينها لعموم الناس في قرآنه المجيد، فهي اسماء تعبر عن مراقب اعمق من معرفته وتوحيده تبارك وتعالى، اختص الله بها طائفة من خلقه المكرمين وثبتها في قلوبها وهؤلاء هم الصَّافُّونَ الحافون بعرشه، فمن هم هؤلاء؟


ايها الاكارم، لا يخفى عليكم ان مصطلحي (الصَّافُّونَ) و(الحافون) وردا في القرآن الكريم ولكن كلاً على حدة، فجاء في سياق تعبير خاص على لسان طائفة مكرمة من خلق الله ضمن الآيات ۱٦٤ الى ۱٦٦ من سورة الصافات وهي: «وَمَا مِنَّا إِلاَّ لَهُ مَقَامٌ مَّعْلُومٌ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ».


اما مصطلح (الحافون) فورد بصيغة حال للملائكة في الآية ۷٥ من سورة الزمر حيث يقول تبارك وتعالى: «وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُم بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».


فهل أن الصافين الحافين بعرش الله هم الملائكة؟


مستمعينا الافاضل، عندما نرجع الى كتب التفسير نلاحظ - كما في تفسير انوار التنزيل للبيضاوي- انها تذكر الملائكة كاحد مصاديق هذه الطائفة من الخلق، كما تذكر في مصاديقها الصافين اقدامهم للعبادة او الصافين في الجهاد في سبيل الله.


اما الاحاديث الشريفة فهي تصرح بان الصافين المذكورين في سورة الصافات هم محمد وآله الطاهرون (عليهم السلام)، فمثلاً روي في كتاب تفسير كنز الدقائق عن علي (عليه السلام) قال: (انا آل محمد كنا انواراً حول العرش فامرنا الله بالتسبيح فسبحنا فسبحت الملائكة بتسبيحنا، ثم اهبطنا الى الارض فامرنا الله بالتسبيح فسبحنا فسبح اهل الارض بتسبيحنا وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون).


وروي مضمونه عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله).


كما روي العلامة السيد هاشم البحراني في كتاب حليه الابرار عن امامنا الباقر )عليه السلام( انه قال ضمن حديث: (فنحن اول خلق ابتدا الله واول خلق عبدالله وسبحه ونحن سبب خلق الخلق وسبب تسبيحهم وعبادتهم من الملائكة والآدميين، فبنا عرف الله وبنا وحد الله وبنا عبدالله، ثم تلا قوله تعالى: «وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ، وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ»، وقول تعالى: «قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ»، وقال: فرسول الله (صلى الله عليه وآله) اول من عبدالله واول من انكر ان يكون له ولد او شريك، ثم نحن بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وفي تفسير علي بن ابراهيم مسنداً عن الامام الصادق (عليه السلام) قال: (نحن شجرة النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة ونحن عهدالله وذمته، ونحن ود الله وحجته، كنا انواراً صفوف حول العرش نسبح فيسبح اهل السماء بتسبيحنا الى ان هبطنا الى الارض فسبحنا فسبح اهل الارض بتسبيحنا وانا لنحن الصافون وانا لنحن المسبحون، فمن وفى بذمتنا فقد وفى بعهد الله عزوجل وذمته، ومن خفر ذمتنا فقد خفر ذمة الله عزوجل وعهده، ...).


اعزاءنا المستمعين، على ضوء النصوص المتقدمة ونظائرها، نتوصل الى النتيجة التالية وهي: ان اعلى مراتب الصافين الحافين بالعرش الالهي هم محمد وآله الطاهرون (عليهم السلام)، تليهم المراتب الاخرى من الملائكة والآدميين الذين يتمسكون بصدق بنهجهم التوحيدي والعبادي، فيعبدون الله باخلاص عبادة الصاف والحاف بعرشه تبارك وتعالى.


والى هذا المعنى يشير مولى الموحدين الامام علي (عليه السلام) في الخطبة الاولى من نهج البلاغة حيث وصف الطائفين بالكعبة بقوله: (وتشبهوا بملائكته المطيفين بعرشه).


من هنا يتضح ان التمسك الصادق بالنهج التوحيدي والعبادي لاهل البيت المحمدي (عليهم السلام) هو الذي يفتح قلب المؤمن لكي يثبت فيه الله عزوجل حقائق اسمائه وصفاته فيعرفه باعلى مراتب المعرفة الوجدانية الشهودية التي توصله الى حقيقة التوحيد الشامل بمراتبه الثلاث التي سنتحدث عنها في الحلقة المقبلة بأذن الله والتي تشير اليها الفقرة اللاحقة من الدعاء وهي: (فتراجعت القلوب الى الصدور عن البيان باخلاص الوحدانية وتحقيق الفردانية مقرة لك بالعبودية وانك انت الله انت الله انت الله لّا إِلَهَ إِلاَّ أَنتَ).


ايها الاطائب، نشكر لكم طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (ينابيع الرحمة) قدمناها لكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، دمتم بالف خير وفي امان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة