خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم سلام من الله عليكم مستمعينا الكرام وأخلص التحايا القلبية نبعث بها اليكم ونحن نجدد اللقاء بكم عند ربوع الشعر ومغاني القصائد عند برنامجكم الأسبوعي المتجدد سير القصائد أملين أن نكون قد قدمنا لكم حتى الآن كل ما يشنف الأسماع وينفع العقول ويروح عن النفوس من رائع الشعر وجميله على مر العصور.
المحاورة: شاعر الأساطير والرموز والأقنعة هي خير صفة يمكن أن نصف بها الشاعر السوري المعاصر خليل حاوي، نعم مستمعينا الكرام الشاعر الذي تخصص من بين الشعراء المعاصرين في توظيف الرمز والأسطورة والأقنعة التاريخية الدالة على الخصب والإنبعاث بهدف محاولة إنتشال الأمة من واقعها المزري المتردي على الصعيدين السياسي والاجتماعي للخروج بها من عصرها الجليدي المقترن بالموت والجفاف وموت الخبرة الى عصر الإشراق والإنفتاح وتفتح البراعم وصولاً على عصر الازدهار والمشاركة الفاعلة في الحضارة الانسانية، هذه هي الرسالة التي حملها الشاعر خليل حاوي والذي ظل يرددها ويتغنى بها حتى إصطدم اخيراً بالواقع المر عندما صحا ذات يوم على زمجرة الدبابات الاسرائيلية وهدير الطائرات ووقع أقدام العساكر ليكتشف أن وطنه الحبيب لبنان قد وقع في قبضة الاحتلال الصهيوني وسط الواقع العربي المتردي فكانت الصدمة أقوى منه فقرر أن ينهي حياته إختياراً ليعلن بذلك على طريقته إحتجاجه على الواقع الذي طالما عمل على تغييره دون جدوى. ندعوكم أيها الأخوة والأخوات وقبل أن يجمعنا اللقاء بخبير البرنامج للعيش معنا للحظات في أجواء قصيدة الشاعر عصر الجليد وما بعده وهو يحاول إنهاء هذه الحقبة الجافة الميتة من حياة الأمة عبر توظيف أساطير الإنبعاث والولادة الجديدة.
عندما ماتت عروق الأرض
في عصر الجليد
مات فينا كل عرق
يبست أعضاءنا لحماً قديد
عبثاً كنا نصد الريح
والليل الحزين
ونداري رعشة
مقطوعة الأنفاس فينا
رعشة الموت الأكيد
في خلايا العظم في سر الخلايا
في لهاث الشمس، في صحو المرايا
في صرير الباب، في أقبية الغلة
في الخمرة، فيما ترشح الجدران
من ماء الصديد
رعشة الموت الأكيد
أنت ياتموز ياشمس الحصيد
نجنا، نجي عروق الأرض
من عقم دهاها ودهانا
أدفئ الموتى الحزانا
والجلاميد العبيد
عبر صحراء الجليد
أنت ياتموز، ياشمس الحصيد
غرقتنا عتمة الليل المهل
عبثاً نعوي ونعوي ونعيد
عبر صحراء الجليد
نحن والذئب الطريد
عبثاً كنا نهز الموت
نبكي، نتحدى
حبنا أقوى من الموت
وأقوى جمرنا الغض المندى
وإرتمينا جثثاً، لحماً حزيناً
ضم في حسرته لحماً قديد
علّه يفرخ من أنقاضنا نسل جديد
ينفض الموت، يغل الريح
يدوي نبضة حرى
بصحراء الجليد
حبنا أقوى من الموت العنيد
غير أن الحب لن ينبت
من اللحم القديد
غير أجيال من الموتى الحزانا
تتمطى في فم الموت البليد
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم مستمعينا الكرام وأنتم برفقة هذه الحلقة من برنامجكم سير القصائد وشاعرنا لهذه الحلقة هو خليل حاوي أما الآن مستمعينا الكرام بدوري أرحب بضيفي الكريم في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، دكتور أهلاً ومرحباً بكم
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: حياكم الله وحيا المستمعين الكرام
المحاورة: دكتور اليوم شاعرنا هو الشاعر خليل حاوي شاعر الأسطورة والرمز بكل ما تحمله الكلمة من معنى. لاأدري هل توافقون هذا الرأي ام لا؟
الشحمان: طبعاً بكل تأكيد خليل حاوي يعتبر شاعر الأسطورة والرمز بإمتيار كما تفضلتم، الشاعر الذي تعتبر حياته متميزة وشخصيته متميزة والخصائص الشعرية التي تميز بها والموضوعات التي تطرق اليها ايضاً تعتبر متميزة..
المحاورة: دكتور نرجو تسليط الضوء لنا وللمستمعين الكرام على هذا الجانب الهام من الشخصية الشعرية للشاعر وماهي المعطيات والانجازات التي قدمها خليل حاوي للشعر المعاصر من حيث إضفاء الرمزية والطابع الفكري والفلسفي عليه وتحويله الى رسالة تهدف الى قلب الواقع، وطبعاً بث الحياة والإنبعاث في أشلاءه. تفضل دكتور
الشحمان: نعم إنجازات كثيرة قدمها الشاعر اللبناني خليل حاوي الذي رحل عن هذه الدنيا في الثمانينات من القرن الماضي وكانت حياته متميزة، عاش البؤس والفقر في طفولته..
المحاورة: على ما أتذكر دكتور كان تلميذاً لجبران خليل جبران
الشحمان: نعم نعم كان في فترة من فترات حياته تلميذاً للشاعر والأديب الكبير جبران خليل جبران ولابد أنه تأثر كثيراً بأفكار هذا الأديب. كان الشاعر خليل حاوي موهوباً في الحقيقة وكان عصامياً يعني استطاع أن يتعلم ثلاث لغات وهي العربية والانجليزية والفرنسية واستطاع أن يعتمد على نفسه وواصل دراسته حتى تخرج من جامعة كمبريج البريطانية ونال شهادة الدكتوراه وعاد بعد ذلك الى لبنان وخلال فترة إقامته في أوربا تأثر بالثقافات الغربية الى حد كبير واستطاع أن يطلع عليها بشكل واسع جداً لذلك نستكيع أن نعتبر شخصيته بأنها ذات وجوه مختلفة، كان أديباً مفكراً وكان فيلسوفاً ينظر الى الأشياء نظرة معمقة ونظرة فلسفية الى قضايا الانسان والى قضايا الكون والنفس والى قضايا المجتمع الذي كان يعيشه المجتمع اللبناني بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام لذلك توسل بالأساطير والرموز والأقنعة في شعره وخاصة تلك الرموز التي تتعلق بالإنبعاث والخصب والولادة الجديدة فكانت الرموز والأقنعة شكلت الأساس والقوام لشعره ولذلك يعتبر من جملة الشعراء التموزيين. وظف الكثير من الأساطير وخاصة الأساطير المتعلقة بالإنبعاث والولادة الجديدة وبشكل خاص أسطورة تموز التي تفضلت في القصيدة التي انشدتموها وهي قصيدة ما بعد الجليد التي نظمها بعد قصيدة عصر الجليد، نلاحظ تأثير هذه الأسطورة بشكل واضح ولكننا سنشير الى أساطير اخرى في أشعاره منها أسطورة البحّار او رمز البحّار والدرويش التي نجدها في ديوانه الشهير نهر الرماد حيث يشير من خلال شخصية البحّار للغرب، الغرب الذي كان في مرحلة الاكتشاف والإستكشاف في عوالم العلم والمعرفة والتطور المادي والى شخصية الدرويش ويرمز بهذه الشخصية الى الشرق بميله الى الرموز وميله الى التصوف والفلسفة وعالم الروحانيات حيث يقول في هذا المجال مشيراً الى شخصية البحّار والدرويش في نفس الوقت يقول:
حطّ في أرض حكى عنها رواة
حانة كسلى أساطير
ونخيل فاتر الظل
مطرح رطب
يميت الحس في أعصابه الحرى
يميت الذكريات
آه لو يعسفه زهد الدراويش العراة
الشحمان: يشير هنا الى الشرق الذي كان متخلفاً عن ركب الحضارة في الأجزاء الأخرى من العالم. واذا ما تجولنا أكثر في دواوينه الشعرية نجد أنه استعار بشخصية السندباد في ديوانه "الناي والريح" . وكان خليل حاوي يصف من خلال شخصية السندباد البلدان التي زارها وطاف فيها كان يشير الى الأوضاع الثقافية والسياسية التي كانت سائدة آنذاك في بلده لبنان وفي البلدان العربية بشكل عام وتحدث عن هذه الأوضاع على لسان السندباد فالسندباد يرمز الى الشاعر نفسه ودار السندباد هو وطن الشاعر الذي ينوي الشاعر تغييره. يقول في هذه القصيدة على لسان السندباد:
سلخت ذاك الرواق
خليته مأوى عتيقاً
للصحاب العتاق
طهرت داري
من صدى أشباحهم
في الليل والنهار
من غل نفسي
خنجري ليني
ولين الحية الرشيقة
عشت على انتظار
لعله إن مرّ أغويه
فما مرّ وما أرسل صوبي
رعده ووروقه
الشحمان: ولعل من الرموز الطريفة التي استعارها خليل حاوي في قصائده وخاصة في قصيدته التي إخترناها من ديوانه "بيادر الجوع" إستعار فيها شخصية الإيعازر الذي كان من حواري المسيح عليه السلام ويقال إن الإيعازر مات ولكن المسيح عليه السلام قام بإحياءه ولكن الإيعازر بعد أن عاش مرة اخرى ظل منكفئاً على نفسه لايرغب ولايعبر عن رغبته في الإنبعاث فهو في الحقيقة كان عاشقاً للموت متشبثاً به، ربما هذا الرمز إستعاره خليل حاوي للأمة التي لاتريد الإنبعاث من جديد والتي فضلت هذه الهجعة.
المحاورة: طيب دكتور نشكركم جزيل الشكر لها الحضور ولهذه الايضاحات حول شاعرنا لهذه الحلقة خليل حاوي
الشحمان: نأمل إن شاء الله أن نفصل الحديث أكثر في جانب الأساطير في شعر خليل حاوي في فرصة اخرى بإذن الله تعالى
المحاورة: نعم نشكر جزيل الشكر ونلتقيكم في الحلقات المقبلة من برنامجكم سير القصائد، حتى الملتقى أطيب التحيات والمنى ودمتم في أمان الله.