خبير البرنامج: الدكتور سعد الشحمان
المحاورة: بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة منه وبركات يسعدنا أيها الأحبة أن نجدد اللقاء بكم عبر برنامجكم الأسبوعي سير القصائد في دورته الجديدة التي يحذونا الأمل فيها الى تقديم كل ماهو مفيد وممتع لكم من روائع الشعر العربي على مر العصور، كونوا برفقتنا.
المحاورة: أيها الكرام سنستهل هذه الدورة الجديدة من البرنامج بقصيدة تعد من عيون الشعر العربي للشاعر الجاهلي عدي بن زيد الذي عرف بالحكمة والذكاء والدهاء والجمع بين أكثر من ثقافة في شخصيته، هذه القصيدة تحمل العنوان أتعرف رسم الدار؟ وهي تبدأ بمقدمة غزلية على عادة الشاعر الجاهلي ولكنها مقدمة قصيرة لاتتجاوز البيت الواحد اليتيم اذ ما يلبث الشاعر أن يلج في صلب موضوع القصيدة الرئيس وهو الحكمة وإستعراض تجاربه في الحياة، تلك التجارب التي إكتسبها من كثرة مخالطته للناس وتنقله بين البلاد والتي ادت به الى نتيجة واحدة وهي أن على الانسان أن يزهد في هذه الحياة وأن يترك من وراءه الذكر الحسن وأن يتحرر من صفة الحرص على الدنيا والتكالب عليها وأن يضع الموت نصب عينيه دوماً. فلندع الشاعر أيها الأحبة يحدثنا بنفسه عن هذه التجارب والعبر والدروس ولكن بعد هذا الفاصل، رافقونا.
أتعرف رسم الدار من أم معبد؟
نعم، ورماك الشوق قبل التجلد
أعاذل ما ادنى الرشاد من الفتى
وأبعد منه اذا لم يسدد
أعاذل ما يدريك أن منيتي الى
ساعة في اليوم او في ضحى غد
أعاذل من يكتب له الموت يلقه
كفاحاً ومن يكتب له الفوز يسعد
أعاذل إن الجهل من لذة الفتى
وإن المنايا للرجال بمرصد
فذرني فمالي غيرما امضي إن مضى
أمامي من مالي اذا خف عودي
وحمت لميقات إليَ منيتي
وغدرت قد وسدت او لم اوسد
وللوارث الباقي من المال فإترك
عتابي فإني مصلح غير مفسد
أعاذل فمن لم يصلح النفس خالياً
عن اللب لايرشد لقول المفند
كفى زاجراً للمرء أيام دهره
تروح له بالواعظات وتغتدي
بليت وأبليت الرجال وأصبحت
سنون طوال قد أتت دون مولدي
فلست بمن يخشى حوادث تعتري
رجالاً فبادوا بعد يؤس وأسعد
فنفسك فإحفظها عن الغي والردى
متى تغويها يغوى الذي بك يهتدي
المحاورة: أطيب وأحلى التحيات لكم محبي الثقافة والفن والأدب. مرة اخرى أرحب بكم مستمعينا الكرام في هذه الحلقة الجديدة من سير القصائد وشاعرنا لهذه الحلقة هو عدي بن زيد. وهكذا إننا نقف إزاء شاعر مميز مال الى الحكمة والموعظة فيما نظمه من أشعار ورغم أن نقاد الشاعر لم يصنفوه في عداد شعراء الطبقة الأولى إلا أننا نجد في أشعاره من المعاني والصور والسلاسة والبلاغة ما يقربه منهم. ونحن لاندري هل يتفق معنا فيما ذهبنا اليه خبير البرنامج الدائم الذي شرفنا بحضوره في الستوديو الأستاذ الدكتور سعدي الشحمان، دكتور اهلاً ومرحباً بك
الشحمان: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المحاورة: وعليكم السلام والرحمة
الشحمان: أهلاً ومرحباً بكم وبالمستمعين الكرام في هذه الدورة الجديدة من البرنامج التي سنبدأها بشعراء ما قبل الاسلام.
المحاورة: نعم شاعرنا لهذه الحلقة دكتور هو عدي بن زيد التميمي
الشحمان: نعم كما تفضلت هو يعتبر من الشعراء الجاهليين المتميزين، اسمه الكامل هو عدي بن زيد العبادي التميمي، توفي قبل فترة قصيرة من البعثة النبوية الشريفة بالتحديد سنة ۳٥ قبل الهجرة وذا أردنا أن تعبر هذا التاريخ بالتاريخ الميلادي نقول إنه يعتبر من شعراء القرن الخامس الميلادي. نقول هو شاعر متميز لأنه كان يجمع في نفسه خصوصيات وصفات لانراها او قلَ ما نراها عند الشعراء الجاهليين فقد كان من حيث الانتماء الديني كان نصرانياً ومن حيث المسكن كان يسكن الحيرة يعني من شمال الجزيرة العربية. جمع في شخصيته بين ثقافتين، الثقافة العربية من جهة والثقافة الفارسية من جهة اخرى كما تفضلتم كان يحسن بالاضافة الى العربية كان يحسن ويجيد اللغة الفارسية وهذه الصفات ورثها عن أبيه حماد بن زيد لذلك يعتبر المؤرخون عدي بن زيد من أول من كتب بالعربية في ديوان كسرى وهو ما دفع الملك أن يجعله ترجماناً بينه وبين العرب بالاضافة الى أنه تولى بعض المناصب في دولة الحيرة او الدولة الساسانية في ذلك الوقت مثلاً ترأس البريد، منصب رئيس البريد وكلفه الملك الايراني بعض المهمات التي نصطلح بها الآن بالمهمات الدبلوماسية مثلاً كسفير له الى ملك الروم في القسطنطينية وهذه المهمة اتاحت له أن يزور بلاد الشام لكن مصيره في النهاية كما كان مصير الكثير من الشعراء الذين عاشوا في بلاط الحيرة، كان مصيره القتل بعد أن تعرض لمؤامرة ووشاية من قبل المنافسين له فقتل من قبل النعمان نفسه وهو في السجن. هكذا عاش عدي بن زيد في بلاد كسرى وبلاد الحيرة وكان يتردد بين هذين البلاطين في عهد النعمان. لعل هذه الميزة التي يتميز بها وهي جمعه بين الثقافتين العربية والفارسية
المحاورة: وإلمامه باللغة الفارسية ايضاً
الشحمان: نعم لم يكن ملماً فحسب وإنما كان يجيد كما يقول المؤرخون كان يجيد الفارسية من حيث الكلام ومن حيث الكتابة ولأنه كان موحداً نصرانياً على كل حال قبل الاسلام فهذه الأمور إجتمعت وأثرت في شخصيته وجعلته يميل في الموضوعات التي طرحها وتناولها في أشعاره الى الزهد والى الحكمة
المحاورة: نعم هو عرف بالحكمة والذكاء والجمع بين أكثر من ثقافة والزهد ايضاً
الشحمان: نعم على الأقل في الأشعار التي كان يكتبها وكما أشرتم الى صفة الذكاء ايضاً كان يعتبر من دهاة الجاهلية لكن ميله الى الحكمة والزهد لايعني أنه كان هو نفسه زاهداً وإنما كان حياته مقسمة بين جانبين في الحقيقة، عاش فترة طويلة من حياته حياة اللهو والعبث وكان يعاقر الخمر والعياذ بالله ولكن في الجانب الآخر كان سياسياً وأديباً وشاعراً واشتهر بالقصائد التي نظمها في مجال الزهد..
المحاورة: يعني اذا صح التعبير كان ميالاً للزهد في أشعاره
الشحمان: نعم في الأغراض التي تطرق اليها في أشعاره ووردت اخباره في الكثير من المصادر من مثل الأغاني ومعجم الأدباء وكتاب الجمهرة وكتاب الشعر والشعراء. من حيث شعره فقد قلنا إنه يعتبر من الشعراء المتميزين في العصر الجاهلي لأن شعره كان يمتاز باللطافة والرقة رغم أنه كان يعيش في الفترة التي كان يميل فيها الشعراء الى الألفاظ النادرة والألفاظ الغريبة وربما الخشنة في بعض الأحيان، وله قصائد مستقلة في مجال الحكمة تعتبر من عيون الشعر العربي حتى أن بعض النقاد وبعض المستشرقين يعتبرون أن شعر الزهد بدأ بأشعار عدي يعني عدي يعتبر في نظر بعض النقاد مؤسساً لغرض الزهد في الشعر العربي، أقول الزهد ولاأقول الحكمة لأن الحكمة موضوع لآخر تطرق اليه شعراء آخرون في العصر الجاهلي من مثل زهير بن أبي سلمى وطرفة بن العبد وغيرهما ولكن موضوع الزهد يمكن القول إنه بدأ مع أشعار عدي في هذا العصر. وايضاً يمتاز شعره بالرقة والعاطفة في البعد في النظر والعمق في الثقافة. جمعت أشعاره في ديوان شعري مستقل وهذه الأشعار سوف نتحدث عنها إن شاء الله في القسم الثاني من حديثنا.
المحاورة: في الحلقة المقبلة إن شاء الله. نعم شكراً جزيلاً لكن على هذه المعلومات القيمة دكتور التي تفضلت بها مشكوراً وإن شاء الله في الحلقة المقبلة سنكمل الحديث عن الشاعر الجاهلي عدي بن زيد، لكم الشكر ولكم الشكر ايضاً مستمعينا الكرام لطيب متابعتكم حتى الملتقى في لقاء جديد من سير القصائد نستودعكم الله.