بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم أبتنا الأفاضل ورحمة الله وبركاته تحية خالصة من القلب نبعثها اليكم ونحن نجدد اللقاء بكم عبر لقاء آخر يجمعنا بكم مع عالم الحكايا والقصص والأساطير عبر برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا آملين أن تقضوا معنا احلى الأوقات مع ما اعددناه لكم في هذا الأسبوع من حكايا الشعوب وأساطيرها، تابعونا.
مستمعينا الأفاضل أسطورة النداهة هي من الأساطير الشائعة في الريف المصري وهب من نوع الأساطير والحكايات الخاصة بالنساء او الشائعة على ألسنة النساء أكثر من الرجال تستخدم لأغراض تخويف وإرعاب الرجال وربما الأطفال حذراً من بعض السلوكيات التي قد تصدر منهم وهي شبيهة الى حد كبير بأساطير اخرى تلعب فيها المخلوقات الأنثوية الدور الأول من مثل أسطورة السعلاة العربية وأسطورة ماري الدموية الاوربية، حيث يزعم الفلاحون في مصر أن النداهة امرأة في غاية الجمال وغريبة تظهر في الليالي الظلماء في الحقول لتنادي بإسم شخص معين ولذلك عرفت بالنداهة. فيقوم هذا الشخص مسحوراً ويتبع النداء الى أن يصل اليها ثم يجدونه ميتاً في اليوم التالي. وكما تفيد الروايات أحبتي الأفاضل فإن ضرر النداهة يمكن أن يقتصر على الجنون ويمكنها التشكل بأكثر من شكل وأكثر من حجم لنفس الشكل، من الطرق التي يمكن قتلها بها هي ذكر الله ورش الملح عليها مما يؤكد أنها تمثل نوعاً من الجن حسب هذه الأساطير الشعبية مع عدم النظر الى وجهها وعدم الرد على نداءها. ليس بالضرورة أن يموت الشخص أي المندوه في اليوم التالي او يصاب بالجنون بشكل كامل بل قد يحدث ما يمكن أن نصفه بالهلاوس النفسية كأن تجد الشخص يتحدث مع نفسه ويبدأ بالإكثار من التردد على الأراضي الزراعية ويصبح من الصعب على الآخرين تعقبه ومعرفة الأماكن التي يذهب اليها بالتحديد. ويقال ايضاً عن تلك الأسطورة إن النداهة أحياناً تقع في حب أحدهم وتأخذه معها الى العالم السلفي وتتزوج منه وفي هذه الحالة يختفي الشخص كلياً ويظهر بعدها فجأة إلا أنه سرعان ما يموت بعد ذلك، ويقول البعض أن وفاته هي بسبب تخليه عن عالمها السفلي فتنتقم منه خوفاً من إفشاء أسرار عالمها ولذلك يموت البعض في اليوم التالي او يصاب بالجنون او يختفي تماماً.
أعزاءنا نحن الآن في أحدى قرى ريف مصر، قرية تسربلت بالظلال بعد أن أفلت الشمس وعاد الفلاحون لبيوتهم وخلت الطرقات من المارة او كادت. كان سعيد يجلس وسط زوجته واطفاله وقد إنهمكوا في ألتهام وجبتهم البسيطة المكونة من الجبن والخبز الفلاحي وبضع ثمرات من الطماطم، وجبة بسيطة لكنها للأسرة تعتبر أسعد لحظات يومهم. ربما كانت هذه اللحظات هي السبب في جعل سعيد يكد ويكدح يومياً في الحقل في انتظار تلك الوجبة التي يقوم بعدها ليريح جسده المكدود على فراشه ليغط في نوم عميق الى الفجر. كانت الزوجة تلوك لقيمة في فمها وهي تفكر في زوجها، زوجها المحب الحنون الذي يتمنى لو جلب لهم نجوم السماء ولكن هذا لايهم فهي تحبه، تحب فيه حنانه الظاهر، كيف لا وهو سندها في الحياة وهل تنسى يوم طلبت منه أن تعمل معه في الحقل لتغطية زيادة مصروفات البيت فغضب بشدة مما جعل عينيها تفيض بالدموع وهي تقول له في حنان: حفظك الله لنا يازوجي العزيز.
ولكن سعيداً كان يتغير، يتغير لاشك في ذلك، صار اكثر الوقت ساهماً، زائغ النظرات، يفضل العزلة ولم يعد يجلس في البيت إلا لماماً ويقضي أغلب وقته بالخارج حيث لاتدري زوجته وحتى في الأوقات التي يبدو فيها طبيعياً يكون عصبياً على غير العادة يثور لأتفه الأسباب ولايحتمل منها كلمة وفي نفسها تردد السؤال: ليتني أعرف ما الذي غيرك ياسعيد؟؟
وبحس الأنثى داخلها تردد الجواب جلياً: لاريب أن هناك اخرى!! لكن من؟ ولماذا؟ فهي لن تقصر في واجباتها نحوه ونحو الأطفال وتقوم بدورها على اكمل وجه كما ينبغي لأي زوجة مخلصة، فهل ملّ منها؟ ومن وقتها وهي تكتم غيظها وغضبها انتظاراً للحظة المناسبة، وقد حلت هذه اللحظة بالفعل وبينما كانت جالسة مع زوجها ذات يوم واذا بصوت انثوي عميق يتناهى الى سمعهما، إنها بلاشك تسمعه، إنه صوت عميق كأنه قادم من أعماق بئر سحيق. لكن ماذا تقول؟ إن الصوت بعيد، لكن ها هو ذا يتضح شيئاً فشيئاً. ماذا؟ إنها تناديه!! بالفعل تناديه! الصوت يتضح أكثر فأكثر: سعيد... سعيد...
أيها الكرام مازلتم تستمعون الى برنامجكم حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. أيها الكرام عندها إلتفتت الزوجة الى سعيد وهي تهم أن تنفجر في وجهه، صعقت وهي تحملق في وجهه: ما هذا؟ ماذا دهى زوجها؟ لماذا تراه مشدوهاً هكذا؟ لماذا زاغت نظراته؟ لماذا وقف متصلباً؟ لماذا يسير مسلوب الارادة كالآلات؟ هنا صرخت بكل مايعتلي في نفسها: سعيد الى أين أنت ذاهب؟
لم يبدو أنه سمعها أصلاً وهو يتجه بخطوات وئيدة الى باب البيت مما جعلها تجن وتقف معترضة طريقه صارخة: لأن أدعك تخرج لها ياسعيد، لن أدعها تخطفك مني.
فوجئت به يزيحها من طريقه فجن جنونها وحاولت إيقافه قائلة: لن تخرج إلا على جثتي.
وكانت لطمة إنهالت كالصاعقة على وجهها من يد سعيد وألقتها في ركن الحجرة ذاهلة في حين بدأ الأطفال بالبكاء فلملمت شتات نفسها وضمت الأطفال الى صدرها وانفجرت بالبكاء قائلة: طلقني ياسعيد لن اعيش معك لحظة بعد الآن!!
لم يبدو أن سعيداً قد سمع حرفاً مما نطقت به وهو يخرج من البيت ويغيب بمشيته الوئيدة وسط الحقول ويبتعد ويبتعد ويبتعد. ولو قدر للزوجة أن تجفف دموعها وتستعيد تركيزها لأكتشفت العجب العجاب اذ لم يبق إلا سعيد السائر مسلوب الارادة والصوت الأنثوي يتعالى ويتضح أكثر وهو يزداد منه إقتراباً وها هو ذا اخيراً يراها على مرمى بصره، إنه يعرفها ويعرف أنها تريده وهو ايضاً يريدها فقد خلب لبه صوتها الشجي الساحر، إنها باهرة الحسن كالقمر وليست نسخاً كما كانوا يوهمونه وهو صغير، إن عيناها تشيعان بضياء آسر وثغرها يفطر عن ابتسامة ساحرة وتقف بإنتظاره. هاهو يتقدم منها اكثر وأكثر، هاهو يلقي بنفسه بإتجاهها وعندئذ تظهر على حقيقتها وعندئذ فقط يعلم أنه أخطأ الخطأ الأكبر في حياته، الخطأ الأكبر والأخير.
مستمعينا مستمعاتنا كل امل في أن تكونوا قد امضيتم دقائق مفيدة وممتعة بين رحاب حكايتنا لهذه الحلقة حكاية النداهة التي إخترناها لكم من التراث الريفي المصري من خلال برنامجكم حكايا وخفايا والذي استمعتم اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران حتى نلتقيكم في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله لكم منا اجمل التحايا وأجمل المنى، الى اللقاء.