بسم الله الرحمن الرحيم احبتي الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلاً ومرحباً بكم مع محطة اخرى لنا نتوقف من خلالها عند حكاية اخرى من الحكايا التي تزدحم بها ذاكرة المجتمعات البشرية على مر العصور. ندعوكم لمرافقتنا عند ماأعددناه لكم لهذا الأسبوع.
اخوتنا المستمعين الأفاضل السعلاة بالعربية الفصحى هي شخصية خرافية شيطانية أنثوية تستخدمها الجدات والأمهات لإخافة الأطفال في القصص الشعبية وهي أشبه ما تكون الى المرأة التي تغوي الرجال وتفتك بهم ومازالت هذه الشخصية موجودة حتى الآن في قصص الأدب الشعبي العربي عموماً والعراقي والدول العربية المطلة على الخليج الفارسي على وجه الخصوص. كما أنهم يشبهون بها بعض الفتيات والنساء اللائي يتخلقن بأخلاق القسوة والعدوانية ويتصفن بشكل غير لائق او بعض الفتيات ذوات المظهر القبيح والدميم احياناً.
نعم أعزائي السعلاة كما نستنتج من الكتب والحكايات الشفوية المتوارثة شكلها غريب ومخيف فجسمها مليء بالشعر كأنها قرد لكن لديها القدرة على التحول في شكل امرأة جميلة حسنة الشكل طويلة القد ومرتبة الهندام تغري الرجال ثم تفتك بهم وتقتلهم. الصفات التي تتصف بها هذه الشخصية تكاد تكون متطابقة من بلد لآخر فمن سوريا الى الخليج الفارسي مروراً بالعراق نرى نفس القصة تتكرر ربما بسبب جذور هذه الشخصية الواحدة والتي جاءت من التراث العربي القديم.
السعلاة مخلوقة متوحشة مخادعة أسهبوا في ذكر اخبارها وشرورها فهي عند العرب كمصاصي الدماء عند الغربيين. وهم لن ينفكوا يتذاكروا اخبارها العجيبة في مجالسهم ومنتدياتهم فقالوا عنها إنها من سحرة الجن، لديها القدرة على التحول والتصور بأشكال متعددة تارة في هيئة عجوز ظريفة تخدع الأطفال الصغار فتأخذهم معها وتأكلهم وحيناً في صورة حسناء جميلة تتصيد المسافرين الوحيدين في الصحراء لتتلاعب وتتلهى بهم ثم تمتص دماءهم فهي بإختصار مصاصة دماء قديمة أقدم بكثير من الكنت دراكولا ورفاقه الذين نشاهدهم في أفلام الرعب الهوليودية.
السعلاة مستمعينا الأفاضل خرافة قاومت الزمن فهي الكائن نفسه الذي تخوف الأمهات أولادهن به في بعض البلدان العربية وربما إستوحى العرب خرافتهم هذه من فلكلور وأساطير الأمم الأخرى حينما كانت قوافلهم التجارية تسير بين اطلال الحواضر العظيمة في مصر والعراق والشام فشاهدوا بالتأكيد صوراً مخيفة لمخلوقات جبارة تجمع بين صفات البشر والحيوانات المنقوشة على جدران وهياكل المعابد الفرعونية والبابلية ولابد أنهم تذكروا تلك النقوش المخيفة بينما كانوا يسيرون وسط الصحراء تحت جنح الليل البهيم عائدين ادراجهم نحو مدنهم البعيدة كمكة ويثرب والطائف.
مستمعينا الكارم لقد آمن القدماء بحقيقة وجود الغول والسعلاة والعنقاء وغيرها من الوحوش التي نسميها اليوم بالكائنات الخرافية، آمنوا بوجودها وذكروها في كتبهم فالمسعودي اورد بعضها في كتابه "عجائب الزمان" فقال" ومن السعالي من تظفر بالرجل الخالي في الصحراء او الخراب فتأخذ بيده فترقصه حتى يتحير ويسقط فتمص دمه".
يقول الجاحظ عن السعلاة في كتاب الحيوان "السعلاة اسم الواحدة من السعلجم اذا لم تتغول لتفتن السفار. قالوا هذا من العبث او لعلها أن تفزع انساناً جميلاً فتغير عقله فتداخله عند ذلك لأنهم لم يسلطوا على الصحيح العقل". أما الدميري في كتاب حياة الحيوان فيقول عنها "السعلاة اخبث الغيلان وكذلك السعلاء تمد وتقصر والجمع السعالي وإستسعلت المرأة أي صارت سعلاة أي صارت صخابة وبذية. ويقول ايضاً السعلاة ما يترائى للناس في النهار والغول ما يترئى للناس في الليل".
أعزائي المستمعين ومن طريف أقوالها المزعومة عنها هو عشقها لرجال الأنس فربما خدعتهم ليتخذوها زوجة وربما انجبت أطفالاً كما ورد في بعض الحكايات الأسطورية فالمسعودي كتب عن ذلك قائلاً "وحكي أن صنفاً من السعالي يتصورن في صور النساء الحسان ويتزوجن برجال الأنس كما حكي عن رجل أنه تزوج منهن وهو لايعلم ماهي فقامت عنده وولدت عنده اولاداً وكانت معه ليلة على سطح يشرف على الجبانة واذا بصوت في أقصى الجبانة لنساء فطربت وقالت لبعلها أما ترى نيران السعالي؟ شأنك وبنيك إستوصي بهم خيراً فطارت ولم تعد اليه".
اذن مستمعينا الأفاضل ترى هل السعلاة مجرد خرافة؟ في الحقيقة بعد أن تطرقنا لأقوال القدماء عن السعلاة فلابد لنا البحث في أصل الخرافة ومن حقنا أن نتسائل حول كل ذلك التراث الغني الذي نقله الناس عن السعالي. هل هو مجرد خرافة؟ في الواقع هناك صورة نمطية رسمها الناس للسعلاة تتمثل في كونها حيوانية الشكل والهيئة، جسدها مغطى بفرو كثيف، مخالبها طويلة وحادة وربما كان لديها قرون كما أنها هالكة أي بإمكان الانسان أن يقتلها. هذه الأوصاف تقودنا الى الإستنتاج بأن الجذور الحقيقية لخرافة السعلاة تتحدث عن حيوان، مخلوق غريب محتال يفتك بالبشر من دون أن يعرفوا ماهيته لأنهم بالطبع كانوا على دراية تامة بأنواع الحيوانات المفترسة كالأسد والنمر والذئب ولابد أن الحيوان لم تكن حيواناً تقليدياً وإلا لأدركوا حقيقتها ومن المعروف أن أغلب الأساطير تدور حول أمور يعجز البشر عن تفسيرها.
كتب القزويني عن السعلاة في عجائب المخلوقات قائلاً "ومنها السعلاة وهي نوع من المتشيطنة متغايضة للغول وأكثر ما توجد السعلاة في الغياض وهي اذا ظفرت بإنسان ترقصه وتلعب به كما يلعب القط بالفار". قال "ربما إصطادها الذئب في الليل وأكلها واذا إفترسها ترفع صوتها وتقول أدركوني فإن الذئب قد أكلني وربما تقول من يخلصني ومعي ألف دينار يأخذها والقوم يعلمون أنه كلام السعلاة فلايخلصها أحد فيأكلها الذئب". ويبدو مما كتبه القزويني بأن قوة السعلاة الخارقة تخور امام حيوان مفترس كالذئب فهي اذن مخلوقة يمكن قتلها والتخلص منها.
أعزاءنا لكن بطل أسطورتنا التي سنحكي لكم تفاصيلها في الحلقة القادمة بإذن الله لم يسعفه الحظ ولم يحالفه التوفيق في قتل السعلاة التي استطاعت خدعه ومن ثم قتله بعد أن إمتصت دماءه.
مستمعينا مستمعاتنا بهذا نصل وإياكم الى نهاية هذه الحلقة من برنامج حكايا وخفايا الذي قدمناه لحضراتكم من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران. كونوا في إنتظارنا حتى الحلقة القادمة من هذا البرنامج مع أسطورة السعلاة والأعرابي. في امان الله، الى اللقاء.