البث المباشر

أسطورة المجزرة ۱

الإثنين 1 يوليو 2019 - 09:35 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأكارم في كل مكان طابت اوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وكل المراحب بكم في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا بكم عبر برنامجكم الأسبوعي المتجدد حكايا وخفايا أملين أن يكون بمقدرونا أن نتيح لكم دقائق عامرة وحافلة بكل ماهو مفيد وممتع من حكايا الشعوب وأساطيرها والخفايا والأسرار والدلالات الكامنة وراءها فأهلاً ومرحباً بكم.
مستمعينا الأفاضل حيوان البر والماء هم الأبطال دائماً في أساطير الزنوج وعلى ألسنتها وبأعمالها تنطلق حكم ينتفع منها الناس كلهم وأما الغابة فأنها تضع القوي والضعيف دائماً وجهاً لوجه، والضعيف الذي لايعرف كيف ينتصر على القوي تشغل رأسه في كل وقت وسيلة البحث عن مخرج من مأزقه ليتخلص من سيطرة القوي وجبروته من خلال إتباعه لقائد وزعيم محنك يختاره ويمنحه ثقته ومن هنا خرجت هذه الأسطورة التي إخترناها لكم هذه المرة من القارة السوداء ندعوكم أيها الأحبة لمتابعتنا عبر أسطورة المجزرة في قسمها الأول.
هناك في الساقية قرب الطاحونة حيث الصخور الضخمة تجعل الماء يجري كالمخنوق في عنق زجاجة إستوطنت سمكة عملاقة وإستقرت تحت صخرة هائلة ترقب بعينيها اللامعتين مرور السمك الصغير فتتلقفه بين فكيها وتبتلعه في أقل من طرفة عين ولعل النجاة كانت تبدو هينة للأسماك الصغيرة اذا هي إمتنعت من المرور الى الجدول من الساقية فتتفادى بذلك أن تكون طعماً للمجزرة إلا أن الأمر لم يكن سهلاً كما يبدو ففي الطرف الآخر من الجدول حيث يمتد منعطف شديد الضيق أقامت سمكة ماردة متوحشة في عش صنعته من القصب والخيزران، تروح وتغدو بين النهار والليل، تطوح في أعماقها كل مايمر بالمكان من صغار السمك. وتطفو احياناً على سطح الماء فاغرة فمها فيظهر الموت بين فكيها الشارحين ولكن الغذاء بدأ يشح في المنطقة المحصورة بين الجدول فالأسماك تتوالد وتزداد والطعام يقل بإستمرار والبطون تخوي وتثور والعيون تحور من طول الجوع جامدة كأنها زجاجة وكان لابد من الإستسلام للموت وتجمعت الأسماك تتشاور وتتسائل أي انواع الموت أهون شراً؟ والى ناحية من نواحي الجدول عليها أن تتجه؟ وهنا قالت أقدم الأسماك العارفة بأسرار الساقية: خير لي أن أموت جوعاً في الجدول من أن أسلم نفسي طعماً في فم أي من الوحشين الهائلين!
وإتجهت الأسماك الى الحنكليس الذي كان أدق الأسماك جسداً وأبرعها إنسلالاً وأخفها حركة وسألته: ماذا يمكن أن نفعل ياسيدنا الحنكليس؟
أجاب في يأس: ليس هناك من أمل ياسادة فالغذاء يتناقص ويختفي والوحشان لايكتفيان بأكل مايمر من الأسماك بل يبتلعان ايضاً كل مايمر من الماء من انواع الغذاء والهوام والحشرات التي نقتات عليها.
قالت الأسماك: ولكن ما العمل؟
أجاب الحنكليس: يبدو لي التضحية بعدد منا خير لنا من التضحية بالجميع، والرأي عندي أن نفكر بالرحيل مجتمعين فنجتاز أحد الجانبين وعندما يفاجئ الوحش بجموعنا الهائلة فإنه لن يستطيع أن يفترسنا جميعاً مهما فعل بل سيبتلع البعض بينما يسرع الباقون في طريق الهرب.
وهنا تبادلت الأسماك كلها النظرات وإرتفعت همهمة الرفض وعاد الحنكليس يقول: اذا لم توافقوا على الخطة فليس أمامنا إلا البقاء كما نحن فأنا اعلم أن كلا الوحشين يتربص الآخر فعملاقة الطاحونة ووحش الخيزران يتباريان وكل منهما يضمر الشر للآخر ويريد أن ينتهز الفرصة ليخدعه ويقترب من مكانه ويفترسه وعندما يحدث ذلك سيكتسح الوحش امامه كل من ظل على قيد الحياة ويبتلعنا من اجل يبقى قوة تمنحه القدرة على مغالبة منافسه.
مستمعينا الكرام مازلتم تستمعون لبرنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران
نعم أيها الأحبة سكت الجميع وراح الحنكليس يفكر وفجأة برقت عيناه وهتف: إستمعوا لي لقد خطرت ببالي فكرة تنجينا من المأزق دون أن نفقد كثيراً من الضحايا.
وإجتمعت الأسماك من جديد وإلتفت حول الزعيم وهتفت: ماهي هذه الفكرة دلنا عليها؟ وخرج صوت رفيع من بين الأسماك: إنك أنت وحدك يازعيم تملك أن تنال هذا المجد فأنت قائدنا وزعيمنا ومن العدل أن يكون المجد لك !
وإمتعض الحنكليس وقد أدرك أن زعامته قد تكلفه حياته لكنه عاد يفكر من جديد وذكر أنه أسرع الجميع سباحة وأسرعهم إنسلالاً وهو لطول عهده بالجدول يعرف جيداً كل حفره وزواياه واطل الحنكليس امامه الى الأسماك الصغيرة فوجدها لاتزال ترتعد فزعاً ورعباً فأشفق عليها وملأت حمى الزعامة رأسه وقرر أن ينهض بالأعباء التي ألقتها تلك الزعامة على كاهله.
وإستعادت الأسماك جميعاً لتأدية الدور الذي تؤمر به وبدأت القائد يلقي اوامره: عليكم جميعاً أن تتجمعوا بأعداد كبيرة على الضفتين وعلى من يستطيع منكم القفز على الشط فليفعل عند اول اشارة أصدرها حتى نفسح ممراً واسعاً وسط الجدول الصغير فإبدءوا الآن وليحذر أي فرد منكم مخالفة اوامري فنجاتكم جميعاً رهن بالطاعة العمياء!!
وإنطلق الزعيم في لحظة سابحاً بإتجاه الطاحونة وملأ القلق والرعب قلوب كل الأسماك فصاحت به: الى اين تذهب أيها الزعيم؟ هل تريد أن تستدعي عملاقة الطاحونة للمبارزة؟ حذاري يازعيم فماذا عسانا نفعل اذا فقدناك !!
لم يجب الحنكليس بل ظل في إنطلاقه مسرعاً بإتجاه عملاقة الطاحونة وعندما بلغ المكان صاح بها: أيتها السمكة الجبارة، يا اميرة الماء وسيدة الطاحونة وربة الساقية، إني احمل لك تحدياً من سلطان الخيزران !!
إنتفضت السمكة العملاقة وإنطلقت من عينيها شرارات الغضب وخرجت من تحت الصخرة تطل في غيظ على الرسول الذي يحمل اليها تحدي السلطان وقالت له: من هذا الذي يجرأ على أن يتحداني؟ تكلم فإن بطني خاوية وإن لي رغبة في إزدرار ذلك الجرئ الوقح وحامل رسالته!!
تظاهر الحنكليس بالهدوء بينما كان في الحقيقة يرتعد ويرقب في حذر كل حركات العملاقة المتوحشة خشية ان تنقض عليه وتلتهمه لتستقر أشلاءه في بطنها الرهيب وهو ما سنتعرف عليه إخوتنا المستمعين في حلقة الأسبوع المقبل بإذن الله.
مستمعينا الكرام من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران كنتم مع برنامج حكايا وخفايا نشكركم على حسن المتابعة وحتى الملتقى نستودعكم الله والسلام عليكم.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة