بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم ورحمة الله تحايانا القلبية الخالصة نبعثها لكم اعزائي المستمعين أينما كنتم ونحن يغمرنا السرور اذ نلتقيكم من جديد في ظلال برنامج الأسبوعي المتجدد حكايا وخفايا آملين أن نسهم من خلال هذا البرنامج بتعريفكم على تراث الأمم وثقافات الشعوب بشأن الحكايا والأساطير، ندعوكم أيها الأحبة لمتابعة القسم الثاني والأخير من مجريات الأسطورة الفارسية رضوان شاه والأميرة شهرستاني، هذه الأسطورة التي ترمز الى قصص الحب التي يغمرها الاخلاص والصدق والوفاء. فلنتابع معاً
مستمعينا الكرام بعد أن إختفى الملك رضوان شاه عند نبع الماء على حين فجأة كان هناك شخص واحد بإمكانه أن يحدس المكان غير أنه ما إستطاع قط أن يصدق حدسه ويؤكده وهو لم يكن مع ملكه ساعة إختفى في خضم المجهول وقد صدق حدس الوزير فقد تأكدت الشهرستاني من وفاء الشاه وإخلاصه لها فأمرت جنودها بإحضاره من مجلسه الى جوار النبع ونقله الى قصر ملكها في جزيرة الجن، وهناك إلتقيا ونسي رضوان شاه أمر عرشه وناسه كما سبق أن وعدها من قبل وأبت هي ايضاً إلا أن تنفذ الوعد الذي قطعته له وهو أن يتزوجها.
وجلست الحورية تحدث الرجل الذي إختارته وقالت: قبل أن ترتبط بي حتى النهاية اريد أن أنبهك عن أشياء تعجز عن الوفاء بها فيكون اولى بنا الآن أن نفترق. أن الذي أريد أن تعاهدني عليه هو أن لاتدخل في أمر آتيه هان شأنه ام عظم فإن لنا من طبائعنا ما يختلف تماماً عن طبائعكم فقد يبدو لكم من تصرفاتنا ما لاتستسيغه عقولكم فحذاري أن تعترض او يملأك غيظ او ضيق من شيء أفعله فإن ذلك سيقطع كل ما بيننا، فهل انت قادر على الوفاء بالعهد؟
أجاب رضوان شاه ضاحكاً : أيكون كل ذلك ماتحذرينني منه وما تخشين أن أقع فيه؟ فليمتلأ قلبك ثقة بقدرتي على الوفاء بالعهد!
وإنقضى عام وفي ذات يوم أغلقت الملكة الباب على نفسها ومنعته من الدخول وعندما إنفتج الباب كانت تحمل وليداً رائع الجمال كأنه البدر وراح رضوان شاه يقبله ويحتضنه وتناولت الأم الطفل منه ثم وقفت بقرب نار تضطرم في ركن القاعة وراحت تتمتم بألفاظ غريبة ثم فجاة ألقت بالوليد في النار، وكادت الصرخة تنطلق مدوية من فم الملك لولا أنه إنتبه الى نفسه في اللحظة الأخيرة متذكراً العهد فكتم ألمه في حين كان في الأعماق مضطرباً كالمجنون!
وإنقضى عام آخر وذات يوم وضعت الملكة مولودة جديدة أروع جمالاً من الملكة نفسها وراح الملك يحتضن إبنته التي سمياها بلقيس، غير أن الملك فوجئ بعد أسبوع بكلبة عملاقة تدلف من باب القصر فاغرة فمها الكبير لتلقي الملك ببلقيس بين فكيها وكاد الملك ينفجر لولا إنتباهة منه جعلته يتذكر العهد، ثم إنطلق الى مخدعه ليغط بالبكاء.
وفي ذات يوم قال الملك لشهرستاني: لكم شاقني امر مملكتي ومادار فيها مذ تركت شعبي حائراً في مصيري. ألا ليتك تأذنين لي بالذهاب اليهم أطمأنهم وأنظم امورهم ثم اعود ! ابتسمت الملكة وهي تجيب: فليكن لك ماتريد فبلادك في حاجة اليك وقد إستعد المغول لمهاجمتها فإذهب أيها الملك لتحمي شعبك أما انا فسأحرص على أن ألحق بك!
مازلنا نواصل تقديم برنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران.
نعم أيها الأخوة والأخوات وفي ذلك الوقت كان الوزير مؤذن يحكم الصين بإسم الملك الذي غاب فجأة قبل ذلك بسنتين فلما اطل الوزير امامه ووجد الملك جالساً على العرش فتح عينيه بذهول ولكنه إنتبه الى نفسه بعد لحظات فماكان منه إلا أن مدّ ذراعيه يحتضن الملك الذي كان يملأه الإعجاب بولاء وزيره ووفاءه. وفجأة فتح الباب ودخل أحد القادة يعلن إقتراب جيوش المغول، نهض الملك وزيره فألقيا عن كاهليهما حديث الماضي ليواجها الحاضر بثبات. وتجمعت جيوش الصين هادرة صاخبة وإنطلقت وعلى رأسها الملك وزيره لملاقات المغول في أرض رحبة بالقرب من الحدود بينما كان القائد ولي يعد قوافل المؤن ويجمعها ويرسلها مدداً للجيش غير أن هذه القوافل لم تكن تصل أبداً ففي خلال الطريق كانت هناك جيوش أخرى من الجن وعلى رأسها شهرستاني تهاجم القوافل وتلقي المؤن على الأرض فتفسدها، تكررت الهجمات على القوافل حتى كاد القائد يجن وحين ذلك برزت له شهرستاني في زي الأنسي وصرخت فيه: اذا كنت غاضباً مما أفعل فإذهب الى ملكك وقال له إن من يعيث في المؤن إتلافاً وفساداً ليس سوى زوجته. إنطلق ولي في غضبته يخبر الملك فأخذته ثورة عارمة لم يطق معها صبراً على تصرفات الملكة ولم يكن الغضب المجنون قد زال عنه حين ظهرت له زوجته فلم يدع لها فرصة للكلام بل إنطلق في وجهها صارخاً: لم أعد أطيق ما تفعلينه فدون ذلك خرق المواثيق والعهود، أما كفاك انك أحرقت ولدي وألقيت بإبنتي في أفواه الكلاب واذا بك تتمادين في غيك وتسعين بقتل جيش بأكمله جوعاً وعطشاً؟
وكانت الملكة خلال ذلك قد فتحت عينيها في ذهول ولم يكد الملك ينتهي من كلامه حتى قالت الملكة تحدثه في صوت مفزع رهيب: وا أسفاه أيها المسكين لقد كان اجدر بك أن تلزم الصمت وتحفظ الوعد الذي قطعته من قبل، لقد وقع ما لم أكن أريد أن يقع، فلتسمع أيها الأنسي المسكين إن تلك النار التي القيت بولدنا فيها لم تكن سوى ربة الشتاء عهدت اليها بتثقيف الأمير وتلك الكلبة لم تكن سوى حورية المملكة التي تتولى تلقين الأميرات أصول الاداب والفنون ولقد اتمت كل منهما ما عهد اليها وأعادتا الولدين كخير ما يكون الأمراء وصفقت الملكة واذا بين أيديهما الأمير والأميرة ينطلق من محيا كل منهما نور وضيء. وجلس الملك على ركبتيه يعانقهما حينما إستمرت شهرستاني تقول: وأما المؤن التي تظنني أتلفتها لم تكن سوى مؤن مسمومة كانت كفيلة بالقضاء على جيشك وانت معه فقد دس فيها قائدك ولي السم بعد أن تآمر مع ملك المغول. وأمر الملك لإحضار بعض المؤن وختم القائد لايزال عليها وأقدمه اليه وأمره أن يطعم منها فأضطر القائد للإستسلام ووضع في فمه بعضاً منها ولم تكد تبلغ جوفه حتى سقط ميتاً في الحال. وهنا اجاب الملك وهو يعتذر بألم: لقد ظلمتك وما كان أفسدها ظنوناً وأسوءها تهماً. ولكن ما الذي علينا أن نفعله الآن بذلك الجيش الذي يقف مضطراً لخوص معركة رهيبة بغير زاد او ماء؟
أجابت شهرستاني: لاتخشى شيئاً ياملك الصين فما عاد جيشك بحاجة الى مؤونة والمعركة ستدور بعد ساعات وتنتهي بتمزيق اعداءك وتحطيمهم وعودتك الى عاصمة ملكك فائزاً منصوراً. وكان هذا ماحدث وفوجئ الملك المغير بجيوشه تتمزق وتنهار ولم يجد أمامه إلا أن ينجو وحده فطار بفرسه هارباً من الميدان حين كانت جيوش الصين تستولي على ما تركه المغول من زاد وعتاد.
نعم أحبتنا المستمعين وبينما كان رضوان شاه يقف على باب خيمته يستقبل زوجته اذا بها تقف غير بعيد منه وتقول له وفي نبراتها حزن عميق: الآن ياملك الصين وقد وضعت الحرب أوزارها وبلغت النصر فلتعش مطمئناً في قصرك وسأنطلق أنا عائدة الى مملكتي فما عاد بيننا لقاء قط فلقد ذهب كل شيء بسبب تسرعك الذي أوقعك في المحظور!
وإختفت شهرستاني وولداها وسقط رضوان شاه على الأرض وفقد وعيه ومضت الأيام ثقيلة سوداء عليه ولم يعد يطيق لقاء أحد وإزداد به الضيق حتى قرر أن يدع الحكم لوزيره وإنطلق وحده معتزلاً الناس لايجرأ أحد على فتحه او الإقتراب منه سوى وزيره.
وقضت اعوام عشرة كان الملك خلالها قد بات على شفا القبر وبينما هو جالس ذات يوم يبكي وينتحب اذا بشهرستاني نفسها تظهر أمامه وقد بدا على وجهها الفرح والإستبشار وهي تقول: لقد عدت اليك لأضع حداً لآلامك وأحزانك وأعيد اليك نظرة الحياة بعد أن ثبت لي وفاءك طيلة السنوات العشر التي إنصرمت، لقد كان فيها الكفاية لإثبات حقي في العودة اليك. وفي هذه اللحظة ذاتها إنطلق من خلفها ولداهما الأمير والأميرة اللذان ألقيا بنفسيهما في أحضان والدهما وإلتقى الأربعة، وعندما إستفاق الجميع إنطلقوا الى حيث الشعب المتعطش الى فرحة الملك فأقيمت الأفراح في كل انحاء الصين وعاد رضوان شاه يجلس على عرشه والى جواره شهرستاني.
أعزائي الأفاضل نرجو ونأمل أن تكونوا قد إستمعتم معنا بحكايتنا لهذا الأسبوع من سلسلة حكايات برنامج حكايا وخفايا الذي إستمعتم اليه من طهران حتى الملتقى نستودعكم الله، دمتم سالمين وفي امان الله وحفظه.