بسم الله الرحمن الرحيم مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم وأهلاً بكم ونرحب بكم أعزائي المستمعين كل الترحيب وأجمله في هذه المحطة الجديدة التي تجمعنا وإياكم عبر حكاية اخرى وأسطورة جديدة من حكايات وأساطير الأمم والشعوب من خلال برنامحكم الأسبوعي المتجدد حكايا وخفايا آملين ان تقضوا معنا دقائق مفيدة حافلة بكل ماهو ممتع من ثقافات الشعوب وتراثها. أما الآن فندعوكم الى متابعتنا عند ما اعددناه لكم في حلقة هذا الأسبوع من حكايا وخفايا.
أيها الأخوة الأعزاء من بين الأساطير التي تستوقفنا ونحن نقلب صفحات سفر أساطير الشعوب المتعلقة ببدأ الخليقة والحروب التي خاضها البشر ضد قوى الشر والدمار ومسيرة إختراعاتهم وإكتشافاتهم والتي سعوا من خلالها الى إستتباب الأمن والسلام ونشر الخير والرخاء بين رحاب الأرض، تلك الأسطورة التي تطالعنا في تاريخ ايران القديم الموغل في القدم والتي رواها لنا الفردوسي في شاهنامته شعراً وهي أسطورة او سلسلة من الأساطير تحمل الكثير من الدلالات والمغازي بشأن النشأة الأولى للإنسان والحيوان على حد سواء والإكتشافات التي وفق الإنسان اليها بعد إنتصاره على قوى الشر والظلام والمتمثلة بالجن والمتمردين على الإرادة الإلهية، تابعونا اخوتنا المستمعين مشكورين.
أعزائنا الكرام في البدأ ملك العالم كله ملك يدعى كيومرث خصه الله بعناية فائقة فقد حباه جمال الوجه وبهاء الطلعة فضلاً عن القوة والجرأة والشهامة وجعل الله مركز إقامته في الجبال حيث إنتشرت منه الحضارة في العالم وقد إرتدى كيومرث جلد النمر فكان سباقاً لهذه البدعة لأن الثياب لم تكن عرفت بعد وكان كل الأنس والجن يأتمرون بأمره فإزداد عظمة وجبروتاً. وكان لكيومرث إبن يدعى سيامك أحبه كل الحب ورباه تربية جديرة بالملوك محافظاً عليه مبعداً عنه كل الشرور من الجن والسحرة فلما نشأ وبدأت عليه إمارة السلطنة ظهر له عدو من الجن أخذ يتتبع تنقلاته وأفعاله قاصداً إهلاكه فلما عرف سيامك ذلك قرر محاربة ذلك الجني فنزل لملاقاته لابساً جلد النمر ولكن الجني سرعان ما انشب مخالبه غير آبه بجمال منظره وجلال طلعته وملك أبيه الواسع. علم ملك الملوك بموت وحيده فحزن عليه حزناً شديداً وتدفقت مشاعره دموعاً ساخنة جرت كالدماء وجرى جميع القوم يشاركونه فجيعته وبقي على هذه الحال سنة كاملة وكان لسيامك ولد يدعى هوشنك سلمه جده مقاليد الزعامة والملك فقررا معاً مقاتلة الجني الشرير على رأس جيش مؤلف من الجن المؤتمرين بأمرهما والحيوانات الضارية والأليفة وبعد معركة ضارية دارت رحاها بين الطرفين إستطاعت الوحوش الفتك بالجني المتمرد وأردته قتيلاً وبذلك إنتقم الجد وحفيده لدم سيامك على اكمل وجه.
مستمعينا الكرام وما لبث كيومرث أن مات بعد ثلاثين سنة من الحكم وبقي هوشنك ملكاً ذا رأي رصين محافظاً على سمات العظمة التي إنتقلت اليه عبر أسلافه. وفي ذات يوم وبينما كان على سفح أحد الجبال ظهرت له حية عيناها كأنها برك الدم ولهيبها دخان أسود يغطي العالم بدكنته فتناول حجراً ورماها به فإصطدم الحجر بصخور الجبل واحدث بإصطدامه شعلة متوهجة فأفلتت الحية وكانت النار وسر هوشنك بإكتشافه فسجد شاكراً ربه على تلك النعمة ولما خيّم الظلام أشعل هوشنك ناراً عظيمة إنتشر وهجها في معظم الأرض حتى ظن الناس أن الشمس لم تغرب والنهار لم ينتهي. وظل ملوك الفرس يحتفلون بتلك الليلة الفريدة التي أصبحت عيداً واستمر هوشنك حاكماً ومستغلاً كل شيء من حوله لخدمة شعبه فإستخرج الحديد من الحجر وصنع منه الفؤوس والحراب وشق الجداول الى الصحاري وبذر البذور فيها ونماها بالمياه وأخذ من جميع البهائم كل نوع يصلح للعمل كالبقر والحمير وغيرها وأخذ يصطاد الحيوانات البرية واستعمل جلودها للملابس والمفارش فعم الرخاء والعدل وطاب العيش ولكن سيف المنية لايبقي على حي فلقد عجله الإرتحال عن هذا العالم ومات بعد أن ملك اربعين سنة.
وهكذا مستمعينا الأفاضل مات الأب فتولى طهمورث الملك والقيادة الحكيمة وأخذ يتدرج في اكتشافاته من حقل الى آخر حتى استطاع أن يروض الوحوش الكاسرة ثم حدث أن الجن تآزروا ضده لأنه سجن عفريتاً منهم فما كان منه إلا أن حاربهم وأنتصر عليهم وسجن الكثير منهم ولكنهم لم يستطيعوا إحتمال حياة الذل والقهر فعاهدوه على تعليمه الخط والكتابة على ثلاثين نوعاً من الألسنة المختلفة إن هو أطلق سراحهم فكان ذلك بداية لإنتشار الخط بين الناس.
وقد سار طهمورث على خطى اجداده فأحسن معاملة شعبه ونشر بينهم العدل والإحسان والرحمة وبفضل ذكاءه تفنن في صنع آلات الحرب من سيوف ورماح وخوذ ودروع واتخذ الكتان والحرير والصوف بعد غزلها ونسجها مادة للملابس وانتشرت الصناعات وعمت أقطار الأرض. ووضع الجن تحت إمرته وسخرهم في الشاق من الأعمال وقسم الناس الى كهنة ومحاربين ومزارعين وحرفيين وبنى المدن وإستخرج المعادن النادرة وعرف أسرار الصناعة الطبية وما يستتبعها من علوم كعلم الأدوية وتنقل بمركبه في اطراف الأرض وطار الى كل الممالك على سرير مرصع بأنواع الجواهر، حمله الجن في اول يوم من السنة وقت حلول الشمس في برج الحمل فسر سروراً عظيماً ليعرف ذلك اليوم بالنيروز وليعرف عرفاً مقدساً عند الإيرانيين.
أعزائي الكرام إنتظرونا في حلقة البرنامج المقبلة عند محطة اخرى نتوقف فيها ونجيل النظر بين جنبات حكاية اخرى من حكايات الشعوب وأساطيرها والتي حاول الانسان من خلالها قبل ان يتدرج في مدارج العلم والمعرفة تفسير الظواهر المحيطة به تفسيراً قد يبدو ساذجاً ولكنه يمثل اولى المحاولات في طريق التقدم العلمي والمعرفي. حتى ذلك الحين نستودعكم خالق الانسان ومبدع الأكوان ومنشئ الوجود من العدم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.