بسم الله الرحمن الرحيم أعزائي الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، السلام عليكم مستمعينا الأفاضل وأهلاً بكم في لقاء آخر يجمعنا معكم عبر برنامجنا الأسبوعي حكايا وخفايا حيث الحكايا المعبرة والقصص المثقلة بالدروس والعبر والأساطير الرامزة الى أسرار الوجود وتطلعات الانسان وآماله في الكون والحياة. ندعوكم أيها الأحبة لمتابعة الحكاية التي اعددناها لهذا الأسبوع راجين أن تحظى بحسن إهتمامكم.
مستمعينا الأفاضل من حكايات الشرق المعبرة والجميلة التي ترمز الى ضرورة أن يعمل الانسان ويثابر في هذه الحياة ويأكل من عرق جبينه وأن لاشيء يعدل اللقمة الحلال التي يحصل عليها الانسان من كده وتعبه الحكاية الطريفة التالية التي تزدحم بأمثال ذاكرة الثقافة الشرقية المفعمة بالسحر والغموض والخيال. ندعوكم مستمعينا الأفاضل لمتابعة هذه الحكاية ذات الرموز والدلالات ولكن بعد الفاصل.
أعزائي الكرام يحكى أن فلاحاً ميسور الحال كان يعيش في حقله مع زوجته واولاده الخمسة وفي أحد المواسم إنحبس المطر وساد الجفاف وتيبس الزرع فحزن الفلاح وكان قد بذر الحب فتوجه الى حقله العطشان ناظراً الى الغيم وهو يدعو متوسلاً: تعال يامطر تعال كي تنمو البذور ونقطف الغلال، تعال كي تضحك الحقول وننشد الموال!!
ولكن الغيوم مضت غير آبهة بنداء الفلاح فزاد حزنه وإعتكف في بيته مهموماً يكاد يتقطع من الألم. إقتربت منه زوجته مواسية وقالت له مشجعة: هوّن عليكم يارجل مالك تبالغ في حزنك وكأن هذه نهاية العالم.
أجاب الرجل بحزن: دعيني ياأم العيال ولاتزيدي من همي، يكفيني ما انا فيه.
قالت الزوجة: طيب الى متى سوف تبقى جالساً هكذا؟ قم يارجل توكل على الله وابحث عن رزقك ولكن الزوج اجابها وهو يائس تماماً: أبحث عن رزقي؟ ألا ترين أن الأرض تشققت والحب الذي أبذرته أكلته الطيور، دعيني بالله عليك فأنا لم أعد أحتمل.
أجابت الزوجة بحنان: لكنك اذا بقيت جالساَ فسوف نموت جوعاً، لم تبق لدينا ولو حفنة طحين. قم وشمّر عن ساعد الجد فبلاد الله واسعة. وما لبث أن الزوج قد إقتنع بكلام زوجته فحمل زاده وودع اهله ثم مضى باحثاً عن رزق جديد.
أجبتي الكرام كانت هذه الرحلة هي الأولى للفلاح ولذلك فقد كابد فيها المشقات والأهوال حتى بلغ قصراً فخماً تحيط به الأشجار وتعرش على جدرانه الورود والأعناب وما إن إقترب الفلاح من باب القصر حتى صاح به الحارس هي...أنت؟ الى أين؟ فقال الرجل اريد أن أقابل صاحب القصر. فقال الحارس: ولماذا تريد أن تجتمع بالسلطان؟ وفي هذه الأثناء سمع السلطان الجالس على الشرفة حوارهما فأشار الى الحارس أن يدخل الرجل وفور مثوله امامه قال الفلاح: اريد أن اعمل ياجناب السلطان.
فقال السلطان وماهي مهنتك؟
فأجاب الفلاح: أنا يامولاي فلاح أجيد الزراعة
ثم سرد له الفلاح قصته فأجاب السلطان بعد أن إقتنع بكلامه ورقّ لحاله: طيب إسمع ما أقوله لك: اما العمل بالزراعة فهذا مالا أحتاجه لكن اذا رغبت في تكسير الصخور فلامانع فالأرض مليئة بالصخور وانا أفكر بإقتلاعها وإستغلال مواضعها وأما الأجر فأنا ادفع للعامل ديناراً ذهبياً كل أسبوع فهل يوافقك هذا المبلغ؟ وبعد تفكير أجاب الفلاح: عندي إقتراح ياجلالة السلطان، ما رأيك أن تزن لي هذا المنديل في نهاية الأسبوع وتعطيني وزنه ذهباً. ثم أخرج الفلاح من جيبه منديلاً صغيراً مطرزاً بخيوط خضراء. وما إن وقعت عين السلطان على المنديل حتى أخذ بالضحك حتى كاد ينقلب من فوق كرسيه الوثير ثم قال بسخريه: منديل؟ يالك من رجل أبله، وكم سيبلغ وزن هذه الخرقة؟ لابد أن وزنها لايتجاوز وزن قرش من الفضة؟ أحمق، مؤكد أنك أحمق!!!
تمالك الفلاح نفسه وبلع ريقه وقال: ياسيدي ما دام الربح سيكون في صالحك فلا تمانع فأنا موافق حتى لو كان وزن المنديل وزن نصف قرش.
أدرك السلطان جدية كلام الفلاح فإستوى بجلسته وقال بجد: توكلنا على الله. هاك المطرقة وتلك الصخور فشمرد عن زنديك وابدأ العمل وبعد أسبوع سيكون لكل حادث حديث.
مستمعينا الأفاضل ما زلتم تستمعون لبرنامج حكايا وخفايا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران ونتابع ما تبقى من قصة اليوم.
أمسك الفلاح الفأس بإحكام وإنطلق بإتجاه الصخور بخطى واثقة ونظر اليها نظرة المتحدي وببسالة الأبطال الشجعان هوى عليها بمطرقته فتفتت تحت تأثير ضرباته العنيفة متحولة الى حجارة صغيرة وكلما تصبب من جبينه عرق الجهد والتعب أخرج منديله الصغير ومسحه، عمل الفلاح بجد ومثابرة حتى أتى على آخر صخرة في نهاية الأسبوع وانقضى اسبوع العمل وحان موعد الحساب ولما رأي السلطان مثابرته وجده في العمل قال له: عافاك الله أيها الفلاح لقد عملت بإخلاص، هات منديلك كي أزنه لك. ناوله الفلاج المنديل الرطب فوضع السلطان المنديل في كفة ووضع قرشاً فضياً في الكفة الأخرى فرجحت كفة المنديل ثم امسك السلطان بعدة قروش وأضافها ولكن كفة المنديل بقيت راجحة. إمتعض السلطان وأزاج القروش الفضية ووضع ديناراً ذهبياً فبقيت النتيجة كما هي، المنديل هو الراجح.
إحتار السلطان في امره وطلب من الحاجب منديلاً غمسه في الماء ووضعه مكان منديل الفلاح فرجحت كفة الدينار. نظر السلطان الى الفلاح وقال: ماسر منديلك؟ هل وضعت فيه سحراً؟
لم يجب الفلاح وإكتفى بالإبتسام وبدأ السلطان يزن المنديل من جديد فوضع دينارين ذهبيين ثم ثلاث ثم اربعة حتى وصل الى العشرة وحينئذ توازنت الكفتان. كاد السلطان يجن جنونه. ماذا حدث أيعقل أن مجرد منديل يعادل عشرة دنانير من الذهب؟ نهض السلطان من مكانه وهو يستشيط غضباً ثم أمسك بيد الفلاح وصرخ بوجهه: تكلم أيها المعتوه، اعترف من سحر لك هذا المنديل؟
ولكن الفلاح أجابه بهدوء: أصلح الله مولاي السلطان ليت الأمر كما ظننتم فأنا لاأؤمن بالسحر. السر بإختصار أن الرجل لما يعمل عملاً شريفاً يطلب من وراءه اللقمة الطاهرة الحلال فإن جبينه سيتصبب عرقاً ثقيلاً يفوق ثقله الماء.
هزّ السلطان رأسه وكأنه إقتنع بكلام الفلاح وابتسم راضياً وهو يقول: بارك الله لك بمالك وجهدك وعرقك أيها الفلاح الطيب، تفضل خذ دنانيرك العشرة وإقصد أهلك غانماً. عاد الفلاح الى أهله مسروراً وأخبرهم بما جرى ففرحوا وإستبشروا ومنذ ذلك الحين درّ الله عليهم بالرزق وعاشوا عيشة هانئة نعموا فيها بالرخاء.
وبهذا نصل وإياكم أيها الأخوة المستمعون الى نهاية حلقة هذا الأسبوع من برنامج حكايا وخفايا الذي استمعتم اليه من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران راجين أن تكونوا قد امضيتم معنا دقائق حافلة بالمتعة والفائدة. حتى نلتقيكم من جديد وحكاية اخرى من حكايات الشعوب نتمنى لكم اطيب الأوقات والى الملتقى.