البث المباشر

أسطورة حيوان النمس

الأحد 30 يونيو 2019 - 10:56 بتوقيت طهران

بسم الله الرحمن الرحيم إخوتنا المستمعين الأفاضل أسعد الله اوقاتكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحية قلبية نبعثها اليكم ونحن نلتقيكم من جديد عند محطة اخرى من محطات برنامجكم الأسبوعي حكايا وخفايا حيث قصص الشعوب وحكاياها المفعمة بالأسرار والألغاز والغموض المحبب الى النفوس، هذه الحكايا والأساطير التي حاول الإنسان من خلالها أن يعبّر بلغة الرموز عن رؤيته للكون والحياة. ندعوكم للمتابعة
أعزائي الكرام حكايتنا لهذا الأسبوع من بلاد الهند الحافلة بالأسرار والغموض والأساطير وبالتحديد حول الحيوانات الأليفة ووفاء البعض منها للإنسان وإستعدادها للدفاع عنه حتى وإن كلفها ذلك حياتها. الحكاية تدور حول حيوان النمس الذي تشتهر به بلاد الهند والذي يعتبر من الحيوانات التي يمكن للإنسان ترويضها وتحويلها الى حيوانات اهلية مستأنسة وفية لأصحابها ولاتعرف معنى الغدر والحيانة وهي فضلاً عن ذلك تعد من الحيوانات النافعة للإنسان فهذه الحيوانات معروفة بقدرتها على محاربة الأفاعي وقتلها وهي تتغذى على الزواحف والقوارد لذلك فإن المزارعين يقومون بتربيتها لتعينهم على محاربة القوارد التي من شانها أن تتلف محاصيلهم وزراعتهم. فلنستمع إخوتنا المستمعين الى هذه الأسطورة الطريفة المعبّرة التي تعكس لنا غريزة الوفاء المتأصلة عند بعض الحيوانات الى درجة لايمكن للإنسان تصوّرها فإذا به يعجل بالحكم على هذه الحيوانات كما سنرى في هذه الحكاية.
أعزائي المستمعين مع طلوع الفجر من كل يوم كان هناك شاب حطّاب يخرج الى الغابة ولايعود إلا بعد أن تغيب الشمس وكانت زوجته تبقى وحيدة طوال اليوم في كوخها الخشبي وسط الحقل، كانت تقضي أيامها في العمل الدأوب فكانت تقوم بترتيب البيت المتواضع وتلتقط الأغصان للنار ثم تعد الطعام وفي أثناء ذلك كانت تقوم برعاية رضيعها فكانت تروح وتجيء وهي تنظر اليه وهو في مهده حيث كانت تشعر بالسعادة لرؤيته فقد كان وليدها الأول الذي أنجبته قبل عدة شهور وأصبح مصدر سعادة هذه الأم الشابة فهي تحيا من أجل رعايته وكانت السعادة تغمرها عندما كانت الى جواره او تحمله بين ذراعيها ولكنها كانت الى جانب ذلك تنتابها أفكار سوداوية وهواجس لاتدعها تعيش بسلام وطمأنينة فقد كانت عين الماء على مسافة من الخيمة وكان عليها الذهاب الى هناك كي تملأ الجرار وفي أثناء ذلك كان الطفل يبقى وحيداً في مهده، وحيداً هناك وسط الحقل مع حيوان البيت النمس الذي كان يبقى هناك ايضاً وهو الحيوان الصديق الذي كان يعيش معهم بمحبة ووئام.
نعم اعزائي الكرام وحينما كانت الأم تخرج كان الطفل يبقى تحت رعاية النمس لكن هل يمكن الوثوق بحيوان حتى ولو نشأ وترعرع في البيت؟ ماذا يمكن لحيوان أن يفعل اذا أثاره شيء ما؟ ربما هاجم الطفل الصغير وفتك به؟ فهو مجرد حيوان لايمكن الوثوق به. كانت هذه التساؤلات تدق مضجع الأم لتتحول الى هواجس دائمة تلح عليها وترتجف لمجرد خطورها على بالها ولكن زوجها كان قد نصحها لمرات عديدة أنها تتعذب من غير سبب فالنمس حيوان وديع ووفي وينبغي الوثوق به وللحظات كانت الأم تلوم نفسها على أفكارها السيئة ولكن سرعان ما تعود الى قلقها وهواجسها رغم كل شيء متسائلة ماذا لو أن النمس إلتهم طفلنا في يوم ما؟
أيها الأحبة وفي صبيحة أحد الأيام نزلت المرأة الى عين الماء وهي تحمل جرتها وهناك في الكوخ بقي الطفل نائماً في المهد فيما كان النمس يتظاهر بالنوم في الزاوية وقد كوّر جسمه كأنه بيضة ومن حين الى آخر كان يفتح إحدى عينيه، كان يتفقد شيئاً وفجأة وبدون ضجيج ومن بين ثقب كان بين الأرضية وخشب الكوخ إنسلت أفعى كبيرة سوداء، كانت أفعى ضخمة وقوية وبصمت وبسرعة إتجهت نحو المهد لكن النمس وثب لمواجهتها في اللحظة ووقف امامها وقد إقشعر شعر ذيله فيما كانت عيناه تشعان بوميض حقد! هذا الحيوان الصغير كان يقف بشجاعة قبالة الأفعى ولايسمح لها بالمرور، كان النمس يستجمع شجاعته ليواجه فم الأفعى المفتوح وعيناه متقدتان بالحقد وكانت الأفعى قد إنتصبت حتى تحولت ما يشبه العصا وبشكل مفاجئ أطلقت رأسها بهجوم خاطف كإنطلاقة السهم.
إمتص النمس الضربة بقتلة سريعة الى الجانب وعاد ثانية يقف قبالتها لايزيح النظرات عن هذا العدو، كان شعر النمس مقشعراً فيما كانت الأفعى تهدده بأنيابها لكن مخالب النمس كانت تخرمش الأرض كأنها شفرات حادة. أحنى النمس ظهره لمرات عديدة وألصق جسمه لمرات عديدة أخرى وهو يحرّك عضلاته، كان واضحاً أنه ينتظر اللحظة المناسبة للهجوم ثم وثب مهاجماً جسم الأفعى ومع الوثبة الثانية بدأ أكثر سرعة فقد إستطاع الخلاص من رأس عدوته التي أخذت تتلوى. هاجت الأفعى السامة وقد أحست أنها جُرحت فتقدمت وهاجمت وهي تطلق رأسها ونصف جسمها كأنهما السهم وكان النمس يقفز من مكان الى مكان ليمتص الهجمات التي كانت توجه اليه كالصواعق وكان عليه أن يتراجع ويقبع لكن عضلاتها كانت تتحرك تحت الجلد وفي عينيها كانت نقاط حمراء تلمع وإنطلقت بقفزة بدت أنها وجه لوجه لكنها أخفقت في تحديد زاوية الهجوم وعندما هاجمت الأفعى من الجانب الثاني هبط عليها النمس كالبرق من خلف رأسها حيث تمكن غنيمته واذا به يهاجمها بمخالبه وبكل جسمه الضاغط.
بدأ جسم الأفعى يتراجع، كان يرتفع وينطوي ويلتف بإرتعاشات قوية وهناك في الرقبة خلف الرأس كان منقضاً عليها بأنيابه ومخالبه. كانت اللحظة الأخيرة من الضجيج والفحيح كأنهما رياح تزيح اوراق الشجر اليابسة وأخذ الإثنان يتراجعان أحدهما يجرجر الآخر ممرغين بتراب الأرض والغبار. وفي النهاية بدأ القتال ينتهي وأخذ جسم الأفعى يطول ويطول وليرسم على الأرض ولآخر مرة شكل إلتواءات الموت ثم همدت الأفعى بلا حركة لكن النمس بقي هناك للحظة عند صيده يتحسس دم عدوته من الرقبة التي قطعها ثم قفز إلا أن الهيجان والرغبة بالعضة كانا يلتهبان في عروقه وأخذ يسحب الجسم المهزوم هنا وهناك ممسكاً به بمخالبه مرة وبأنيابه مرة أخرى ورغم الإنهاك الذي كان يبدو عليه إلا أنه كان سعيداً بإنتصاره فلقد إتجه النمس نحو مهد الرضيع وخرج من الباب شبه المفتوح وراح ينتظر سيدته علّه ينقل لها الفرح الذي إعترى قلبه كحيوان.
أعزائي الكرام كانت المرأة عائدة في الطريق تحمل جرتها الممتلئة بالماء على رأسها وعند وصولها ورؤيتها للنمس معفراً بالتراب والدم يتقاطر من فمه ومخالبه وفي عينيه بريق غريب تجمّدت في مكانها وقد بدا عليها الهلع والخوف من تحقق ما كانت تتوقعه ولم تملك نفسها من الصراخ مولولة: يا إلهي هذا ما كنت اخشاه من هذا الحيوان الملعون! ها هو قد فعلها أخيراً، لابد أنه قد إلتهم رضيعي. وفي لحظة من اليأس ألقت الجرة بكل قوتها على النمس الذي سرعان ما تمدد على الطريق وبدأت بالركض كأنها تطير بإتجاه الكوخ وعندما دخلت كان إبنها الرضيع يغفو في المهد وفي هذه اللحظة تعثرت قدمها بأشلاء جسم الأفعى السوداء وأدركت حقيقة ما حدث ثم نظرت في نفسها في خجل وراجعت أفكارها السيئة والسوداء. وتأملت ثورة غضبها الملعونة التي جعلتها ترد المعروف بالإساءة وبدأت تضرب بقبضتي يديها على صدرها ورأسها وهي تجري نحو الطريق ويكاد الحزن والألم يقتلانها ثم أخذت تبحث عن الحيوان الوفي، إلتقطه من الأرض وحملته بيت ذراعيها بحب ومضت به الى الكوخ وهناك عملت له سريراً من أفضل الأقمشة لديها وقرّبته من النار وأخذت تداعبه وتقول له أحلى الكلام الممزوج بدموعها وماهي إلا لحظات حتى إرتجف النمس ونظر الى سيدته بعينيه الطيبتين ثم نظر تجاه سرير الطفل الرضيع. وفي الليل عندما عاد زوجها الحطّاب وجد الأم تبكي من الفرح تجلس قرب النار والطفل الرضيع وحيوان النمس بين ذراعيها.
إخوتنا المستمعين نرجو أن تكونوا قد إستمتعتم معنا عبر حكاية هذا الأسبوع آملين أن نجدد اللقاء بكم في الأسبوع المقبل عند أسطورة اخرى من أساطير الشعوب، حتى ذلك الحين نستودعكم الرعاية الإلهية وتقبلوا تحيات قسم الثقافة والأدب والفن من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران، الى اللقاء.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة