بسم الله الرحمن الرحيم أخوتنا المستمعين الأفاضل السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السلام عليكم مستمعينا الكرام نحييكم بتحية الاسلام والإيمان في هذا اللقاء الجديد الذي يجمعنا معكم عبر تراث الأمم والشعوب الغامض المفعم بالخفايا والأسرار والذي عبرت عنه من خلال كم هائل من الأساطير والحكايا المشحونة بالخفايا التي رمز الإنسان من خلالها الى تطلعاته وطموحاته وأمانيه في هذه الحياة الدنيا الملئى بالضعف والفناء. ندعوكم مستمعينا لمتابعتنا عبر حكايا وأساطير أخرى جادت لها مخيلة الانسان.
مستمعينا الأعزة من بين الأساطير الأخرى التي عبرت البشرية من خلالها عن تطلعها الى الخلود والحياة النموذجية الفاضلة البعيدة عن عوامل النقص والفناء والضعف والفساد أسطورة أطلانتس او الحضارة المفقودة، هذه الحضارة الأسطورية القديمة التي تمثل واحداً من الألغاز التي وقف العلم عاجزاً عن الكشف عنها فهي تظل إحدى الموضوعات الأكثر إثارة للجدل والتشويق بين جميع العلماء حيث قيل إن هذه الحضارة كانت من أكثر الحضارات تقدماً وتفوقاً على الحضارات التي ظهرت على وجه الأرض حتى اليوم لكن الأسطورة تفيد بأن هذه الحضارة إبتلعتها مياه المحيط لتندثر فيه الى الأبد.
والحديث عن أطلنتس أعزائي المستمعين يعود الى زمن قديم فقد ورد ذكرها لأول مرة في محاورات أفلاطون حوالي العام ۳۳٥ قبل الميلاد ففي محاوراته الشهيرة المعروفة بإسم تيماوس يحكي كريتياس أن الكهنة المصريين إستقبلوا صولون في معابدهم ثم يشير الى أنهم اخبروا صولون عن قصة قديمة تحويها سجلاتهم تفيد بأن إمبراطورية عظيمة تعرف بإسم أطلانتس تحتل قارة هائلة خلف أعمدة هرقل مضيق جبل طارق حالياً وأنها كانت أكبر من شمال أفريقيا وآسيا الصغرى مجتمعتين وخلفها سلسلة من الجزر تربط بينها وبين قارة ضخمة اخرى وقد وصف كريتياس بأن أطلنتس جنة الله سبحانه وتعالى في الأرض ففيها تنمو كل النباتات والخضروات والفواكه وتحيا كل الحيوانات والطيور وتتفجر فيها ينابيع المياه الحارة والباردة وكل شيء فيها نظيف وجميل وشعبها من أرقى الشعوب وأعظمها، له خبرات هندسية وعلمية تفوق بعشرات المرات مايمكن تخيله في عصر أفلاطون اذ وصف كريتياس إقامتهم لشبكة من قنوات الري والجسور وأرصفة الموانئ التي ترسو عندها سفنهم وأساطيلهم التجارية الضخمة ثم يحكي كريتياس عن الحرب بين الأثينيين والأطلنطيين ويصف كارثة مروعة لحقت الجيش الأثني وأغرقت أطلنتس كلها في المحيط.
نعم اعزائي الكرام حتى هذه اللحظة ما زال عشرات العلماء يبحثون عن قارة أطلنتس التي أصبحت قارة الغموض والخيال في عقول العلماء والأدباء. عشرات النظريات تحدثت عنها، مئات المقالات والكتب كتبت اسمها، أعداد لاحصر لها من الروايات الخيالية تفترض وجودها والعثور عليها وينسج الخيال مغامرات مثيرة داخلها، عن حضارتها وتقدمها، عن شعبها الغامض. أولئك الذين أقاموا أكثر حضارات التاريخ غموضاً وإثارة الذين تزعموا العالم يوماً والذين ذهبوا وبلاعودة.
أحبتنا المستمعين ومن التراث المصري القديم تستوقفنا أسطورة إيزيس وإيزريس التي تمثل أروع أساطير الخلود التي عرفها التاريخ المصري القديم عن أشهر زوجين أسطوريين عاشقين. إيزيس التي تمثل أرض مصر الحانية الطيبة واما إيزريس زوجها فهو الفيضان الدافق الذي يأتي اليها بالخير والخصوبة والازدهار وتقول الأسطورة إن إزريس علم رعاياه البشر اسلوب ري الأراضي وزرعها وفتح عقولهم على المبادئ التي تنظم العالم وهكذا فقد أحبه شعبه ومجده في ترانيم الإكبار والتعظيم: "ياإزريس عليك السلام إن الثناء يُغدق عليك بسبب أعمالك الخيرة، ياسيد العدالة والحق وملك الغذاء الألهي"
ولكن أعزائي الكرام إزريس سرعان ما يروح ضحية حسد اخيه ست، رب الرعود والعواصف والظلمات والذي كان يرى أنه أحق منه بالعرش فأعد وليمة كبيرة دعا اليها أخاه وكان قد أعد صندوقاً فاخراً فدعا ست المدعوين للإستلقاء في التابوت فمن يجد التابوت مناسباً له يمكنه أن يأخذه. كان ست قد أعده على مقاس إزريس وعندما إستلقى فيه إزريس أغلق ست وأعوانه التابوت عليه ورموه في النيل فمات غرقاً فأخذت إيزيس تبحث عن زوجها حتى وجدته في ببلوس إلا أن ست أفلح في سرقة الجثة وقطعها الى أربعة عشر جزءاً ثم قام بتفريقها في أماكن مختلفة من مصر لكن إيزيس تمكنت من إستعادة الأشلاء وإستخدمت السحر في إعادة تركيب جسد إيزريس لإعادة الروح اليه والانجاب منه ثم حملت منه ولكن كان من الصعب ان يحيا إيزريس مثل حياته الأولى فلزم لأن يحيا في مملكة الموتى ويكون ملكاً فيها وولدت إيزيس منه ولداً وهو حورس وقامت بتربيته في أحراش الدلتا سراً حتى إشتد ساعده فأخذ يصارع ست إنتقاماً لأبيه حتى هزمه في النهاية.
وتفيد الرواية الأخرى اعزائي المستمعين بأن إيزريس كان قد نجا من محاولة إغتيال أولى من جانب اخيه ست الشرس المغتصب الذي هزم بفضل قوة بأس القط الأعظم وفي تلك المعركة كان ست قد تجسد في شكل الثعبان الرهيب العملاق أبوفيس ولكن ست عاود محاولة الإنتقام من اخيه وتربص به بين أشجار قصره وإنقض عليه لقتله ولكن هاهو إيزريس الطيب النبيل الخلق يوجه هذه الكلمات الى اخيه الحاقد الغادر: "إنني لم أرتكب إثماً فلا تنتزع قلبي من حناياه". ولكن على الرغم من تضرعه وتوسله فقد هجم عليه ست وأعوانه وأوسعوه ضرباً وعلقوه في أغصان الجميزة الكبرى وبينما إيزريس يلفظ أنفاسه الأخيرة مد ست يده بخنجر وإنتزع قلب اخيه من صدره وعندئذ تيقن أنه سوف يتمكن من إعتلاء عرش أخيه ويداه مخضبتان بدمه.
نعم أعزائي الكرام من بلاد الرافدين الحافلة بالأساطير والحكايات الشرقية تلفت أنظارنا اسطورة أدبا او آدبا الانسان الذي فقد فرصته في الخلود وهي من الأساطير البابلية المتأخرة التي تعود الى القرن الرابع عشر قبل الميلاد. تروي هذه الأسطورة الرامزة الى حب الانسان الى الخلود قصة آدبا الانسان العاقل الحكيم الذي كان يقيم في مدينة أريدو، مدينة أيا إله الحكمة وإله المياه الذي علم الانسان علوم الحياة ولكن وبخطأ من إيا وطاعة عمياء من آدبا فقد الانسان الحياة الخالدة التي اراد أن يمنحها له آنو إله السماء. فقد ذكر في الأسطورة أن آدبا الانسان الذي خلقه الاله إيا ليحكم جنس البشر كان ملكاً على مدينة أريدو وفي احد الأيام تسببت الريح من وقوع آدبا من قاربه الى اعماق البحر الأمر الذي جعله يلعن الريح التي أوقعته مما تسبب في وقوف هبوبها وإثارة غضب اللإله آنو فقرر قتل آدبا ولكن آدبا وبمساعدة من أيا إستطاع الدخول في حرم الإله آنو مما حال دون قتل آنو لآدبا ونتيجة لنصيحة كان قد قدمها الإله أيا رفض آدبا تناول الطعام الذي قدمه له الاله آنو ظناً منه أن هذا الطعام هو طعام الموت ففوّت بذلك على نفسه فرصة الخلود وقد كان الطعام المقدم طعام الحياة الأبدية.
إسمحوا لنا مستمعينا الأفاضل أن نودعكم على أمل اللقاء بكم عند خفايا اخرى نستخلصها من أساطير الشعوب وحكاياها.
فحتى ذلك الحين تقبلوا تحياتنا وأمنياتنا من اذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران والى اللقاء.