البث المباشر

جلال الدين محمد -۲۲

الإثنين 17 يونيو 2019 - 14:38 بتوقيت طهران
جلال الدين محمد -۲۲

حضرات الكرام، يمر الزمان ويمضي، لكن الافذاذ تبقي ذكراهم خالدة في الاذهان تؤرخ لحياتهم الكتب والمؤلفات التي تبقي هي الاخري خالدة خلود الدهر. وقديما قال احد الشعراء:

الخط يبقي زمانا بعد كاتبه

وكاتب الخط تحت الارض مدفون

وجلال الدين محمد البلخي الرومي المولوي هو احد هؤلاء الافذاذ، هذا الرجل كان واعظا وخطيبا ثم شاء القدر له ان يلقي شمسا فيضحي من بعد ذلك عارفاً وسالكاً.
إلا ان شمس سرعان ما اختفي من حياة جلال الدين الذي راح يبحث عنه حتي اعياه البحث وبعد ان يئس الرومي من وجدان ضالته المنشودة اقتنع بأن شمس قد حل في وجوده واسكن في كيانه، فلماذا البحث عنه من بعد ذلك اذن؟
في رحاب العارف الرومي سرنا ونسير وفي محطات عدة توققنا وها نحن ذا نتوقف في واحدة اخري من محطات العارف المولوي وكتابه المثنوي.
لم يكن كل مريدي جلال الدين قد أنسوا بقدوم شمس تبريز. لكن جلال الدين نفسه وجد ان اثنين من مريديه وولده سلطان ولد قد استأسوا بشمس وما احدثه من تغيير في حياة استاذهم. المريدان هما صلاح الدين زركوب وكان شيخا وحسام الدين الجلبي وكان شابا، وفي حياة مولانا انتشلت يد المنون صلاح الدين فبقي المؤنس لجلال الدين، حسام الدين.
كان حسام الدين قد طلب من مولانا ان يكتب المثنوي علي طريقة عطار والسنائي واستجاب مولانا لهذا الطلب وقد كان من كتـّاب اشعاره ومحرم اسراره.
وقدم مولانا لحسام الدين هذه الابيات التي قد تسميها الكتابات العربية رسالة الناي.

استمع الي هذا الناي ياخذ في الشكاية

ومن الفرقات يمضي في الحكاية

منذ ان كان من الغاب اقتلاعي

ضج الرجال والنساء في صوت التياعي

ابتغي صدرا يمزقه الفراق

كي ابث شرح آلام الاشتياق

وما ان رأي حسام الدين هذه الأبيات حتي هاجت روحه ولم يستقر لنفسه قرار وطلب من مولانا المزيد ووعده مولانا بذلك واتفق الاثنان علي الاجتماع مرات ومرات لإكمال المثنوي، وبذل حسام الدين كل جهده لكي تجمعه بمولانا هذه اللقاءات.
ويحدثنا التاريخ ان نظم المثنوي قد استغرق 14 عاماً واستمر حتي نهاية حياة الرومي، وتزامنا مع نظم المجلد الثاني من المثنوي عين مولانا حسام الدين خليفة له وشيخا للمريدين، كان حسام الدين منظما في عمله دقيقا في نظره، ومن هنا وبراحة بال تفرغ مولانا جلال الدين الي العبادة والسير والسلوك في طريق العرفان.
يقول الدكتور ابراهيم الدسوقي شتا وكان استاذا ورئيسا لقسم اللغات الشرقية في كلية الاداب بجامعة القاهرة في مقدمته التي تصدرت ترجمته للمثنوي الي العربية اقدم للقاري العربي ولعشاق الادب العرفاني الرفيع نصا من اروع نصوص العرفان ان لم يكن اروعها جميعا، النسخة الكاملة ستة مجلدات لمثنوي جلال الدين الرومي.
كلام المرحوم الدسوقي هذا ليست فيه مبالغة في التعريف بالمثنوي علي الاطلاق.
لكن للأسف ظهر من الكتـّاب من تأثر بفكرة المستشرق ادوارد براون فسمي المثنوي بقرآن الحجم وهي ليست تسمية خاطئة فحسب بل مبالغ فيها كذلك، واذا كان صاحب كتاب من روائع الادب الفارسي الدكتور بديع محمد جمعة من اولئك الكتـّاب، فان الدكتور فكتور الكك رئيس مركز اللغة الفارسية وآدابها في الجامعة اللبنانية قد اشار في مقالة له الي هذه المقولة غير الصائبة.
والمقالة بعنوان جلال الدين الرومي والثقافة العربية وقد نشرتها مجلة الوحدة التي تصدر في طهران عن مؤسسة الفكر الاسلامي في عددها لشهر رجب من عام 1425 للهجرة.
الدكتور فكتور الكك وبعد ان يعدد محاسن المثنوي يكتب قائلا اذا ادركنا هذا الواقع لن يصدمنا قول القادرين قدره انه (قرآن العجم) ولا غرو فإن القرآن هو محور المثنوي المعنوي الي آخر كلامه.
علي اي حال لا شك في ان خير ذكري لأيام اللقاء بين مولانا وحسام الدين هو نظم المثنوي الذي هو واحد من أهم الآثار الادبية لإيران.
وهو من دون شبهة اعظم آثار متصوفة الاسلام هذا هو المثنوي انه نص بارع حوي الكثير من الفوائد، إلا أنه ليس عند الفرس او الايرانيين قرآنا كما يحلو للبعض ان يقول مثل ذلك.
فكلام النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم والائمة الطاهرين عليهم السلام وهو بلا ريب ارفع واسمي من كلام الرومي ودون كلام الخالق والحق فيما نقول.
وليت الكتـّاب ولا نقول جمعيهم بل بعضهم يراعون في كتاباتهم جانب الإنصاف نائين عن الغلو فإنه مذموم إياً كان ولا نراه مؤشراً علي سمو النص الادبي او غيره ولنا عودة الي المثنوي والمولوي في حلقة اخري من برنامج جلال الدين محمد شاعر العرفان.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة