يمكن القول ان تعرف جلال الدين الرومي على العارف التبريزي شمس يعتبر نقطة تحول اساسية في حياة الشاعر المولوي.
ذكر ان جلال الدين محمد قد تأثر بهذه الشخصية الغريبة واصبح من خالص اتباعه ومريديه، فكان اللقاء الاول الذي جمع شمسا بجلال الدين، وكنا قد عرضناه على شاشة الاحداث في الحلقة الماضية من هذا البرنامج كان نقطة تحول في حياة جلال الدين الروحية حيث انقلب من عالم فقيه له مكانته ويعتد بعلمه ومعرفته في مجال الشريعة الظاهرة، الى متصوف غارق في روحانية الحب الالهي.
نعم في اللقاء الاول بين العارف التبريزي والشاعر الرومي طرح سؤال وجواب، وكانا ملتفتين للنظر على ان جواب السؤال لم يكن بالنسبة لمولانا صعبا، فربما كل عالم يعرف عقائد العرفاء واحاديثهم، يتمكن مثل جلال الدين من الاجابة على هذا السؤال، بيد ان النقطة الاساسية هنا هي ان شمسا طرح سؤاله في الملأ العام وبين اهل السوق، ومثل هؤلاء لايكون لهم في الغالب اطلاع على المسائل العرفانية. كما ان بعض من حلل شخصية شمس يرى ان مضمون سؤاله كان يحكي علما واسعا كما يتميز به هذا العارف، قبل ان نصل في المحطة التالية لنصف علائم الموقف الذي جمع مولانا وشمسا لاول مرة لابد ان نشير هنا الى ان العرفان مدرسة ظهرت في الفكر الاسلامي عند السنة والشيعة حيث تتناول المدرسة العرفانية العلاقة بين الانسان والله والكون، ودونما خوض في تفاصيل قد تبتعد بنا عن اطار البرنامج ضروري ان نقول ان العرفان هو غير التصوف وليس الاثنان يؤديان الى معنى واحد.
ولنر الان المشهد الذي جمع مولانا بشمس لاول مرة، مشهد سيطل علينا من ذاكرة التاريخ الادبي والعرفاني بعد قليل.
بعد ان سأل شمس الرومي، غرق مولانا في لحظة سكوت، وسدد نظراته الى الرجل الغريب، وفي نظرة خاطفة بين الرجلين وفجأة تحولت الغربة الى معرفة. رغم ان النظرات كانت قصيرة وعابرة فقد نفذت الى الاعماق، فأخذت لغة القلوب تبين كل ما اريد قوله بين الرجلين.
ولم يستقر لمولانا قرار من بعد ذلك السؤال اما شمس وكما قال هو فيما بعد فقد طوقته الدهشة من كل جوانبه وانسابت نحو جوانحه حينما وقع بصره على مولانا.
اجل سؤال وجواب بسيط تبادله الرجلان، لكن ذاك السؤال وذاك الجواب تركا تأثيراً عظيما على الرجلين.
وتابع مولانا ما بقي من المسير مصطحبا معه شمس واخذ جلال الدين شمسا الى بيته، كان ضيفا من عالم الغيب قد حلّ عليه، ضيفا حرره من قيود الدنيا واسرها، وبحضور شمس في حياة مولانا، اصطبغت حياة الشاعر الرومي بلون جديد.
لقد علّم شمس، جلال الدين ان يحرر ذاته من قيود الدروس والبحث والمناظرة وينفلت من اسر الدنيا وما فيها فيرى نفسه كسائر الناس مخلوقا لله يستسلم امام حكمه ويمكن القول ان لقاء شمس مع مولانا قد وهب جلال الدين القدرة على التحرر من قيود الذات، لقاء شمس وجلال الدين كان في الظاهر لقاءا من قبيل الصدفة، ربما كان شمس يطمح اليه.
اما جلال الدين لم يخطر بباله مثل هذا اللقاء الذي وهبته له الايام واخفاه وادخره له القدر وراء ستر الاحداث والوقائع.
على اي حال فتح هذا اللقاء صفحة جديدة في حياة مولانا، لا بل انه بداية الحياة الجديدة عند جلال الدين، حياة ابدلت عالما زاهدا الى عارف شاعر وعاشق ولهان.
ووفقا لروايات سلطان ولد ابن مولانا في كتابه (ولد نامه) يبدو عشق مولانا لشمس شبيها ببحث موسى عن الخضر، الذي كان على الرغم من مقام النبوة والرسالة ومنزلة كليم الله، يطلب ايضا رجال الله، ومولانا ايضا مع كل ما له من كمال وجلال يمضي وقته في طلب الاكمل حتى ظفر بشمس فصار مريدا له واذعن له وفني في انواره دفع واحدة.
على اي حال غرق شاعر العرفان في بحر العرفان، وعبر عن احاسيسه في روحانية الحب الالهي في اشعار كلها حرارة وتتسم بصدق الالم والمعاناة في سلوك الطريق دون النظر الى موقف العامة وتلاميذه منه وما وجهوه من انتقادات ولوم.
ولنا واياكم عودة الى الامس الدابر الى حيث شمس وجلال الدين لقاء العرفان بالعرفان في دنيا العرفان.
*******