شاءت الاقدار ان يتوجه جلال الدين محمد ووالده بهاء وُلد مع اسرته ومريدي ابيه الى بغداد حيث كانت عاصمة الخلافة العباسية، وبعد عام من الاقامة في بغداد واصلوا ترحالهم في مدن الشام وآسيا الوسطى الى ان استقرّ بهم المقام في لارندة تلبية لدعوة حاكمها وبعد سنين من الهجرة والسفر الطويل كانت لارندة بالنسبة لبهاء وُلد مكانا آمنا للاقامة، وبسبب كهولة السن وتجمع الكثير من المريدين من حوله رجح بهاء وُلد عدم السفر الى قونية وان كان كبراؤها وفقهاؤها قد وجهوا الدعوة اليه.
وكان الشغل الشاغل لبهاء وُلد التدريس والوعظ، اما جلال الدين محمد الشاب فقد صب كل همّه على الارتواء من نمير علم ابيه وسائر الاساتذة لزيادة معلوماته الدينية والادبية.
ولم يضيّع جلال الدين محمد سنوات السفر والترحال، ذلك انه وفي تلك المدة اكتسب وجمع معلومات قيمة في الادب والشعر والعرفان والقرآن والحديث والتفسير والكلام.
وتعلم جلال الدين محمد وهو شاب كيف يزيّن كلامه ويجعله اكثر جمالا من خلال مزجه بالامثال والقصائد ما بين فارسية وعربية، كان كلام جلال الدين محمد ينفذ في النفوس وقد تحلى بالقصص والحكايات وبعدما اصر تلاميذ بهاء وُلد افرد الوالد لولده مجلساً في الوعظ والخطابة وكانت اول خطبة لجلال الدين محمد في مدينة اقشهر ومن بعد ذلك بدأ جلال الدين محمد الخطابة في لارندة.
ولم تدخل الفرحة قلب بهاء وُلد وهو يرى نبوغ ولده جلال فحسب، بل انسابت اشعة السرور الى قلب والدته بي بي علوي، بيد ان هذا السرور لم يقدر له الاستمرار طويلا حيث عاجلت المنية والدة جلال الدين، وكما يقول الشاعر ابو الحسن التهامي:
حُكْمُ المنيّة في البريّة جاري
ما هذه الدنيا بدار قرار
وجاء الموت المفاجئ للأمّ ليجعل جلال الدين محمد يغرق في بحر من الحزن العميق وهو يومذاك شاب في مقتبل العمر اما بهاء وُلد الشيخ المسن فقد عاش المحنة وهو يتجرع غصص فراق زوجته وجاء زواج جلال الدين محمد من كوهر خاتون ابنة احد تلامذة بهاء وُلد ليخفف من وطأة الحزن على قلب الوالد والولد وانجبت كوهر خاتون ولدين كان قدومهما الى الدنيا قد افاض شيئا من الدفء لا بل كثيرا من الدفئ على بيت بهاء وُلد الذي بدا بارداً بكيانه المعنوي بعد ان فارقت الاسرة الام الحنون.
وكان علاء الدين كي قباد السلجوقي سلطان الروم قد سمع بشهرة وعلم وفضل بهاء وُلد في ارجاء ارزنجان وملطية ولارندة، فاشتاق ايما اشتياق لرؤية هذا المفتي والعالم الخراساني، وبكثير من الاصرار دعا علاء الدين، سلطان العلماء في بلخ بهاء وُلد للقدوم الى قونية عاصمة ملكه.
وكانت قونية في تلك الايام مثل بلخ وهرات ومرو ونيشابور مركزاً كبيراً للعلم والثقافة.
وعلى الرغم من كهولة سنه وتقدمه في العمر، لبّى بهاء وُلد دعوة سلطان الروم اما جلال الدين محمد فقرر ان يلازم والده الطاعن في السن في سفره فرافقه الى قونية.
وبدأت الرحلة، وبعيون دامعة ودع بهاء ولد وولده جلال الدين والاسرة احباءهم وتركوا من ورائهم لارندة قاصدين قونية وحلّ المسافرون بعد رحلة لهم في عاصمة السلاجقة الروم، حيث استقبلت عاصمة السلطان علاء الدين، بهاء وُلد واسرته بكل احترام وترحيب.
وكان السلطان علاء الدين كي قباد في مقدمة السمتقبلين، لقد رحب ببهاء وُلد وطبع قبلة التواضع امام العلم والعلماء على يد بهاء وُلد هذا العالم الكبير، وسنتابع رحلة العلم والعرفان مع جلال الدين محمد شاعر العرفان.
*******