هذا البرنامج ذكرنا ان الظروف السياسية غير الملائمة في مدينة بلخ والاختلافات التي كانت بين (بهاء ولد) والد الشاعر جلال الدين المولوي والسلطان محمد خوارزم شاه، دفعت (بهاء ولد) الى ترك مدينته لاسيما بعدما ترامت الى الاسماع اخبار الهجوم المغولي على ايران.
وخرج بهاء ولد بقصد زيارة بيت الله الحرام واداء مناسك الحج، حيث توجه الى بلاد الحجاز تاركاً خراسان وماراً بالعراق.
واخذ بهاء ولد اسرته معه ورافقه في سفرته هذه 300 من مريديه مع اسرهم.
وعبرت قافلة المهاجرين بوابة بلخ، عندها وقف جلال الدين محمد للحظة ونظر الى ورائه انه ما كان يعلم سبب الهجرة، بيد ان احساساً داخله بان عليه ان يترك الحياة التي كان يحياها في ارض آبائه واجداده، الشعور بالغربة ضغط على قلبه الصغير، ما كان ليعلم ان هذا المصير المجهول سوف يفصل عن اصدقائه واقربائه، ما كان يؤنسه هو حبه لابيه وثقته به وانه ما كان يقوم بعمل الا بعد التوكل على الله.
وادرك جلال الدين محمد المكان الخالي للسيد برهان الترمذي بين مريدي ابيه، حيث كان قد سافر الى بلاد ماوراء النهر.
وفي الثالثة عشرة من عمره عرف جلال الدين محمد ان مدرسته ومعلمه هو حب ابيه له، وفي هذه الرحلة كانت مطالعة الشعر والنثر والتحاور الادبي مع ابيه ومريده هي الصلة الوحيدة التي شدته الى دنيا الادب والعلم.
ووصلت قافلة المهاجرين من بلخ الى مدينة نيشابور الواقعة الى اقصى الغرب من اقليم خراسان الكبرى.
وكان لبهاء ولد اصدقاء كثيرون في نيشابور ومن هنا لم يكن بالمستطاع له ان يمر بهذه المدينة دون ان يمكث فيها لمدة قصيرة لا تتعدى الايام القلائل.
وكانت نيشابور في ذلك العهد احد المراكز العلمية والادبية المهمة في العالم الاسلامي، وقد احتضنت العديد من عظماء العلماء، نيشابور كانت ذات جذبة روحانية خاصة بالنسبة لجلال الدين محمد.
ذكريات الشاعر والعارف الايراني ابي سعيد ابو الخير ومجالسه مع مريديه في الايام الخوالي وذكرى ابي حامد الغزالي والحكيم عمر الخيام صاحب الرباعيات المشهورة واشياء اخرى عن نيشابور كان جلال الدين محمد قد سمعها او قرأ عنها، قد رسمت في مخيلته مظهراً بديعاً لمدينة نيشابور حيث محط رجال العلم والادب والعرفان.
واذا كان هذا حديثاً منا عن جلال الدين محمد في صباه، فلنا ان نتحدث بعض الشيء عن هذا الشاعر فاتحين نافذة حوله من عصرنا الحاضر، الحديث هذا سيأتيكم بعد قليل.
نعم –حضرات المستمعين الافاضل- في الاجتماع الخامس والسبعين بعد المئة للمجلس التنفيذي لمنظمة اليونسكو تمت المصادقة على اقتراح اهداء وسام مولانا بمناسبة عام 2007 عام مولوي، والاقتراح هذا تقدمت به الى منظمة العلوم والتربية والثقافة التابعة لمنظمة الامم المتحدة كل من ايران وافغانستان وتركيا ومصر.
ومن المقرر ان تقوم منظمة اليونسكو بتقديم هذا الوسام الى الباحثين الذين يستحقونه من الذين اجروا دراسات في الحقول المختلفة حول الشاعر اللامع جلال الدين محمد البلخي المولوي الذي تمر في العام 2007 للميلاد الذكرى الثمانمائة لميلاده.
ويعتبر المجلس التنفيذي لليونسكو جلال الدين مولوي صاحب ديوان المثنوي، وهو رائعة من روائع الادب الفارسي القديم، شاعراً وعارفاً لكل شعوب العالم.
وترى منظمة اليونسكو ان افكار الشاعر جلال الدين مولوي تتناغم واهداف هذه المنظمة رغم بعد المسافة الزمنية بين جلال الدين محمد واليونسكو، ومن هنا جاءت المصادقة على منح وسام مولانا الذي سوف يحظى بلاريب بترحيب المحافل الدولية والمحافل الثقافية على المستوى العالمي.
وسنتابع الحديث عن جلال الدين محمد في امسه الدابر وعصره الحاضر في الحلقة القادمة ان شاء الله.
*******