الأعمال الصخرية، المنفذة بأسلوب النحت النافر، هذه لا تقتصر على توثيق قصص الماضي، بل تمثل أيضاً علامة بارزة على الهوية الوطنية الإيرانية، لما تحمله من تصوير دقيق للطقوس والمشاهد والوقائع التي تظهر قوة الدولة الساسانية ومكانتها التاريخية.

وتقع نقوش "تنگ چوگان" شمال بيشابور على ضفتي نهر شاپور، وتضم ستة نقوش تُعد من أبرز ما خلفه الفن الساساني. وقد أتقن الفنانون آنذاك نحتها بتقنيات دقيقة أكسبتها طابع الحركة والحيوية، سواء في مشاهد المعارك أو الاحتفالات أو المراسم الملكية، ما جعلها مركز جذب للباحثين والزائرين اليوم.
من جهته أوضح الباحث في علم الآثار والمدير الداخلي لمجموعة بيشابور المسجّلة في لائحة التراث العالمي، محمدخليل محمودي، أنّ ثلاثة من هذه النقوش—أرقام 1 و5 و6—توثق انتصارات شاپور الأول على ثلاثة من أباطرة روما، ما يعكس الأهمية الاستثنائية لهذه الانتصارات في التاريخ الإيراني.
وبيّن أنّ النقش رقم 1 يُعد أكبر نقش صخري مقعّر من الفترة الساسانية، ويضم خمسة صفوف من المشاهد التي يظهر فيها شاپور الأول بزيه الملكي، بينما يقع تحت حافر حصانه الإمبراطور الروماني گورديانوس، وتحيط بالمشهد شخصيات من القادة والسادة الإيرانيين، إضافة إلى وفود رومانية من الأسرى ومقدّمي الهدايا.
وأشار محمودي إلى أنّ هذه الانتصارات غيّرت ميزان القوى لمصلحة إيران، وعزّزت نفوذ الساسانيين، كما أسهم الأسرى الرومان—ومن بينهم مهندسون وفنانون—في مشاريع عمرانية عدة، خاصة في بيشابور، ما نتج عنه مزيج فني ومعماري إيراني–روماني.
ووصف الباحث هذه الانتصارات بأنها لم تكن مجرد مكاسب عسكرية، بل «بيان حضاري وسياسي» قدّم إيران كقوة مستقلة متقدمة وذات نفوذ.
وفيما يتعلق بالنقش رقم 5، أشار محمودي إلى أنه يمتد بطول 12.5 متر وارتفاع 5 أمتار، ويجسد لحظة تتويج شاپور الأول بعد انتصاره على گورديانوس وفيليپ العربي؛ حيث يظهر جسد گورديانوس تحت حافر حصان الملك، وفي المقدمة يقف فيليپ راكعاً، بينما يظهر أهورامزدا ممتطياً جواده، وتحت قدميه رمز الشيطان.
أما النقش السادس، القريب من الطريق المؤدي إلى كهف شاپور، فيعرض أيضاً مشاهد انتصار الملك الإيراني على الأباطرة الثلاثة، ضمن ثمانية إطارات نحتية دقيقة تبرز الركوع، والأسر، وسقوط گورديانوس، في تجسيد واضح لهيبة شاپور الأول.
وقد جرى استلهام مشهد ركوع الإمبراطور الروماني أمام شاپور الأول في جدارية ميدان الإمام الحسين عليه السلام بشيراز، وأعيد تقديمه أيضاً في تمثال نُصب في ميدان انقلاب بطهران، ليؤكد مجد إيران وقوة حضارتها عبر العصور.