العمارة والتخطيط العمراني .. نموذج متكامل
تمثل العمارة في الحي القديم نموذجاً فريداً للتناغم مع البيئة والمناخ المحلي. فقد اعتمد المعماريون على أساليب بناء تقليدية، واستخدموا مواد محلية مثل الطين والحجر والخشب المستورد من الهند، بما يتوافق مع المناخ الحار والرطب للمنطقة.

تتميز المباني بتصميماتها "الهيلانية" ذات الفناء المركزي، والأبنية متعددة الطوابق التي كانت تُستخدم في الشتاء والأسطح في الصيف. الأزقة الضيقة والمتعرجة، والفتحات الكبيرة في الجدران، والبادجير (مراوح الهواء التقليدية) تشكّل نظام تهوية طبيعي يحافظ على استدامة المباني. كل هذه العناصر تجعل الحي نموذجًا فريدًا للهندسة المعمارية المتوافقة مع الطبيعة.

التنوع الديني والتعايش السلمي
يمثل الحي التاريخي لبوشهر نموذجًا للتعايش السلمي بين الأديان، حيث تتجاور المساجد والحسينيات والكنائس والمعابد في قلبه، منها مسجد أهل السنة، مسجد الإمام، كنيسة الظهور، والكنيس، مما يعكس تاريخ المدينة كمنصة للتلاقح الثقافي والروحي.

ويعتبر أكثر من 12 مسجداً في الحي بدون مآذن أو قبب، حيث قام التجار والشخصيات البارزة في الماضي بإنشاء مساجد تحمل أسماءهم لإحياء ذكرى العائلات والرموز الاجتماعية.

المباني التاريخية والقصور .. كنز ثقافي
يحتوي الحي على نحو ألف منزل، بينها حوالي 400 مبنى تاريخي، تم تسجيل 90 منها ضمن السجل الوطني، وتشمل قصوراً ومنازل تعود إلى أكثر من 250 عاماً. بعض هذه المباني كانت ملكاً لمسؤولين بارزين وشخصيات مرموقة، وكانت تمثل مسكناً ومكان عمل في الوقت ذاته.

جهود التجديد وإعادة التأهيل
منذ عام 1400 هـ.ش، حصل مالكو أكثر من ثلاثة آلاف وحدة سكنية على تراخيص التجديد، مع تخصيص الدعم المالي والفني والمساعدات التخطيطية لتسهيل إعادة الإعمار. وقد تم تجديد أكثر من 70٪ من المباني، مع تبليط الشوارع وتحسين الواجهات، وإقامة مرافق سياحية وترفيهية، ما أعاد الحياة للحي القديم وجعله أكثر جذباً للسكان والزوار.

كما تم تنفيذ مشاريع رائدة مثل "ممر الأديان"، وتجديد قصر البليارد، وترميم مدارس ومنازل تاريخية مثل مدرسة گلستان وبيت رشيدي وبيت مباركي وقصر دهدشتي، وتحويل بعضها إلى مجمعات سياحية وأسواق للحرف اليدوية، ومتاحف مثل قصر علوي للطباعة والنشر، بالتعاون مع القطاع الخاص والأوقاف، ضمن خطة شاملة لإحياء الحي مع الحفاظ على هويته الثقافية.

البنية التحتية والدعم المؤسسي
تعاونت الجهات الحكومية والبلديات وشركات المياه والصرف الصحي والغاز، بالإضافة إلى إدارة الطرق والإسكان، لتوفير البنية التحتية الضرورية، من شبكات الصرف، وتحسين الممرات، وترميم الواجهات، وإنشاء مساحات خضراء، ما ساعد على تشجيع السكان والمستثمرين على الانخراط في إعادة إحياء الحي التاريخي واستثماره.

السياحة والتنمية المستدامة
يعتبر الحي التاريخي لبوشهر نموذجاً وطنياً للربط بين التراث الثقافي والتنمية المستدامة. فقد أظهرت الدراسات أن تنشيط السياحة في الحي، بالتوازي مع الحفاظ على المباني التاريخية، يساهم في تعزيز الاقتصاد المحلي وخلق فرص عمل مستدامة، مع الحفاظ على الهوية الثقافية للمدينة. كما تم التخطيط لمشاريع فنادق وبيوت ضيافة، لتصبح المنطقة قرية سياحية متكاملة، تدعم السكان المحليين وتزيد من جاذبية بوشهر على المستوى الوطني والدولي.

أهمية المشاركة المجتمعية
أشار المسؤولون إلى أن المشاركة المجتمعية تعد مفتاحًا لنجاح أي مشروع لإحياء الأحياء التاريخية، حيث لا يمكن للجهات الحكومية وحدها تحقيق النتائج المرجوة دون تعاون السكان والقطاع الخاص. كما تم التأكيد على دور الدولة في تقديم التسهيلات المالية والدعم الفني لضمان استدامة هذه المشاريع.

نحو الاعتراف العالمي
بالنظر إلى قيمة الحي التاريخي وبُعده الحضاري والمعماري، فإنه يمتلك الإمكانية للتسجيل ضمن قائمة التراث العالمي. وتعمل جميع الجهات المعنية، من بلدية، وإدارة تراث ثقافي، ومجتمع محلي، على تهيئة كافة الشروط اللازمة لهذا الاعتراف الدولي، لضمان الحفاظ على هذا الإرث التاريخي والثقافي للأجيال القادمة.

يمكن اعتبار الحي التاريخي لبوشهر اليوم نموذجاً حقيقياً لإعادة التأهيل الحضري المستدام، حيث يجمع بين التاريخ العريق، والعمارة التقليدية، والتجديد الحديث، والسياحة، مع إشراك المجتمع المحلي في الحفاظ على هذا التراث الثمين، ليكون علامة فارقة في إيران والعالم.