البث المباشر

لماذا يكون "التفسير بالرأي الشخصي" مساويا لـ "الكفر"؟

الأحد 12 أكتوبر 2025 - 14:50 بتوقيت طهران
لماذا يكون "التفسير بالرأي الشخصي" مساويا لـ "الكفر"؟

إن جميع الفرق التي نشأت في باطن الدين الإسلامي كانت بسبب الاختلاف في الآيات المتشابهة، وسوء الفهم لأصول القرآن الكريم ومفاهيمه. ولذلك قال رسول الله (ص) وسائر أهل البيت (ع): «خذوا التفسير من أوصيائي».

أنزل القرآن الكريم ككتاب هداية ونور إلهي في النظام الفكري للإسلام، وخاصة في مدرسة أهل البيت (عليهم السلام). وهو كلمة الله المكتوبة، وهدفه الرئيسي هو هداية البشرية إلى الطريق المستقيم.

ومع ذلك، فإن القرآن الكريم نفسه يؤكد على أن الفهم العميق والاستيعاب الكامل والتفسير الصحيح للآيات ليس بالمهمة السهلة، وقد احتفظ الله بهذا المستوى من المعرفة واكتشاف الأسرار الداخلية "للراسخين في العلم" (آل عمران: 7):

 ﴿وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ﴾.".

تُظهر هذه الآيات الشريفة بأن للقرآن الكريم مستويات للفهم والإدراك؛ ظاهر يفهمه عامة الناس من معانيه وألفاظه، لا من خباياه، وباطنٌ يتطلب علما إلهيا.

وفي كلا الجانبين، فنحن بحاجة من التواصل مع مُدرسي القرآن الكريم، أي نبي الإسلام وخلفائه (أهل بيت الوحي). وإضافةً إلى ذلك، تتشابه آيات القرآن الكريم أو تختلف في معانيها؛ لذا، فإنّ فهم القرآن الكريم وتفسيره دون الرجوع إلى المفسّرين الحقيقيين المعصومين، وهم عترة النبي الأكرم (ص)، يُفضي إلى الخطأ والانحراف واختلاف القراءات؛ كما يختلف فهم الناس للأمور، وهذا الاختلاف في الفهم يُؤدّي إلى اختلاف في تفسير القرآن الكريم.

لذلك فإن ضرورة الاستناد إلى المرجعية العلمية للمعصومين (ع) والتي لا تقبل أي خطأ تُشكل أساسا راسخا لذم التفسير بلا مرجعية، والتفسير بالرأي، بشكل قاطع وحاسم.

إن جميع الفرق التي نشأت في باطن الإسلام كانت بسبب الاختلاف على الآيات المتشابهة، وبسبب هذا الاختلاف في فهم مبادئ القرآن ومفاهيمه. ولذلك قال رسول الله (ص) وسائر أهل البيت (ع): "خذوا التفسير عن أوصيائي".

يقول أمير المؤمنين عليه السلام بهذا الصدد:

«أَنَّ كَلَامَ الْبَارِي سُبْحَانَهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْخَلْقِ كَمَا لَا تُشْبِهُ أَفْعَالُهُ أَفْعَالَهُمْ وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ وَأَشْبَاهِهَا لَا يَبْلُغُ أَحَدٌ كُنْهَ مَعْنَى حَقِيقَةِ تَفْسِيرِ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا نَبِيُّهُ وَأَوْصِيَاؤُه‏»".

أي: "إن كلام الله تعالى ليس بكلام خلقه، كما أن أفعاله ليست كأفعالهم. ولهذا السبب وأمثاله، لا يصل إلى جوهر المعنى الحقيقي لتفسير كتاب الله تعالى إلا نبيه وخلفائه".

ثم يواصل أمير المؤمنين كلامه قائلا:

«وَإِنَّمَا هَلَكَ النَّاسُ فِي الْمُتَشَابِهِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى مَعْنَاهُ وَلَمْ يَعْرِفُوا حَقِيقَتَهُ فَوَضَعُوا لَهُ تَأْوِيلًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ بِآرَائِهِمْ واسْتَغْنَوْا بِذَلِكَ عَنْ مَسْأَلَةِ الْأَوْصِيَاءِ وَنَبَذُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ (ص) وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ». (وسائل الشيعة، ج 27، ص 21).

ومن أبرز التحذيرات وأشدها وقعا في هذا الصدد هي الحديث المروي عن الإمام الصادق (عليه السلام) الذي يبيِّن بوضوح خطورةَ التأويل التعسفي:

وَمَنْ‏ فَسَّرَ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَقَدْ كَفَر»".

إن هذا التفسير القاطع والجزم، الذي يذكر كلمة "الكفر" مباشرة، يثير سؤالا لاهوتيا وعقائديا جوهرياً:

"لماذا يُعدّ التأويل والتفسير بدون المرجعية والاعتماد على الرأي الشخصي خروجا عن الدين وكفرا؟.

هذا الحكم، وإن بدا فقهياً في ظاهره، إلا أنه متجذر في مفاهيم عقائدية عميقة ومكانة المرجعية الدينية.

ويكمن الجواب في ثلاث طبقات تحليلية مترابطة، يُعزز بعضها بعضا، ويُحدد جسامة هذه الخطيئة.

 

الطبقة الأولى:

إغفال الأمر الإلهي الصريح في التفسير ومكانة العلم

يرجع أول أسباب الكفر بالنسبة للتفسير بالرأي إلى تجاهل الأمر الإلهي الصريح في مكانة التفسير ومعرفة غيبيات الآيات وخفاياها.

 

1. ادعاء منزلة الراسخين في العلم:

يُصرّح القرآن الكريم، في الآية السابعة من سورة آل عمران المذكورة في بداية الحديث، بأن مستويات فهم الآيات وتفسيرها (كشف خفاياها وأسرارها التي يتطلب فهمها علما إلهيا) لا تتوفر إلا للراسخين في العلم والذين وهبهم الله علما إلهيا.

فعندما يحاول شخصٌ، دون أن يكون راسخًا في العلم، ودون أن يعتمد على المفسرين المعصومين (الذين تلقوا العلم مباشرة من مصدر الوحي)، أن يُفسّر ويُعمّق في تفسيره، فإنه في الواقع يضع نفسه في منزلةٍ خصَ الله بها عباده.

هذا الفعل نوع من "ادعاء النبوة في الفهم" أو "ادعاء العلم اللدني"، وهو ما يتناقض صراحة مع أمر القرآن الكريم. وتشير جميع الأحاديث التي جاءت عقب الآية السابعة من سورة آل عمرا المباركة إلى أن تفسير القرآن الكريم بيد الله سبحانه وتعالى وأهل البيت عليهم السلام، وقد أكد آية الله الجوادي الآملي ذلك في تفسيره.


2. تحويل الأمر الإلهي إلى أمر بشري:

عندما يُعلق الله التفسيرعلى علم معين، فإن التفسير القائم على معرفة بشرية محدودة، أو أهواء أنانية، أو فهم ظاهري محض، يفقد قيمته الإلهية. وهذا نوع من تحويل الأمر الإلهي إلى أمر بشري، واستقلال في الشريعة، وهو في حد ذاته نوع من الشرك في التشريع، أو كفر عملي بالاتباع.


 

الطبقة الثانية:

الخروج عن مقصد الله الأصلي وانحراف الأمة

إن النتيجة الثانية والأهم للتفسير بالرأي هي الخروج عن دائرة "أمر الله ومقصده" للآيات، وهذا يقود الأمة إلى هاوية الهلاك.

 

1. تحريف معنى الشريعة:

إن التأويل والتفسير بالرأي، غالبا ما يؤدي إلى قراءات لا تتفق مع الهداية الإلهية فحسب لعدم ارتباطه الوثيق بالسنة النبوية، أقوال نبي الإسلام وعلم الأئمة الطاهرين، بل قد يغير أيضًا الأحكام الشرعية (العملية) أو أصول العقيدة (العقائدية). وهذا يعني "خلق دين جديد" قائم على الفهم الشخصي.

على سبيل المثال، إذا فسّر أحد مفهوم "العدالة" أو "التوحيد" تفسيرا لا يتوافق مع ثوابت الإسلام، فسوف يهتز أساس الدين.

 

2. مصدر البدع والانحرافات التاريخية:

يحفل تاريخ الإسلام بأمثلة على انحرافات كبيرة للأمم عن الصراط المستقيم، بدأت دائما بتأويلات تعسفية وشخصية للنصوص المقدسة، مما أدى إلى انحرافات كبيرة في العقيدة والفكر.

ونتيجة لذلك قد أفضت هذه الانحرافات في نهاية المطاف إلى ظهور فرق ومذاهب انحرفت عن جادة الرشاد. لذا، فإن "الكفر" في هذا الأمر يعني ترك الدين الحق والانتقال إلى دين من صنع المفسّر نفسه.


 

الطبقة الثالثة:

إنكار كلام المعصومين (ع) ومرجعية أهل البيت عليهم السلام


أما الطبقة الثالثة، والتي تشمل جانب الطاعة والإمامة، فتتعلق بعلاقة المفسّر بالأئمة الطاهرين، الذين هم أنفسهم تجسيدٌ لـ "حبل الله المتين"، والمفسّرون الذين قدّمهم القرآن الكريم (حديث الثقلين).


1. نقض عهد الثقلين:

لقد بيّن أهل البيت (ع) مرارا وتكرارا سبيل التأويل الصحيح في أحاديث عديدة، وحذّروا أتباعهم من الوقوع في فخ التأويل الشخصي، وقد ذُكر بعضها. وتُعد هذه التحذيرات جزءا لا يتجزأ من الطاعة لعترة أهل البيت (ع). ومن تعرّض لهذه التحذيرات الصريحة، ووعياً بهذا التحريم، واعتمادا على رأيه الخاص، فقد ارتكب في الواقع نوعاً من "الجحد" (الإنكار أو التجاهل المتعمد) لأقوال الإمام المعصوم (ع).


2. الاستقلال في الفهم مقابل الطاعة في الدين:

يعتبر الإسلام دين الطاعة لمرجعية الوحي. وعندما يُحدّد الإمام المعصوم (ع) طريقة ومنهج فهم كلام الله، فإن اتباع هذه الطريقة يُعدّ طاعة لله. وفي واقع الامر أي استقلال في التفسير يعني وضع النفس في موضع المرجعية الدينية، والتي هي في جوهرها حكرٌ على الأنبياء المعصومين وخلفاء الله المعينين. وهذا الاستقلال يؤدي في النهاية إلى إنكار مرجعية أهل البيت، وهذا الإنكار، في المذهب الشيعي، نقيض الإيمان.

 

التمييز بين الكفر العقائدي والكفر العملي (التنديد الشديد):

من الضروري أن نميز بين درجة الكفر والخروج المطلق عن دائرة الإسلام (الكفر الصريح في العقيدة)، مع أن صيغة الحديث شديدة جدا.

يمكن القول بأن تحذير الإمام الصادق (عليه السلام) موجه أكثر إلى:

أ) الذين يضطلعون بالمرجعية الموثوقة (أهل البيت).

ب) الذين يعلمون تحريم التأويل والتفسير بالرأي.

ج) الذين يُصرّون على منهجهم الخاص بالرغم لعلمهم بهذا الشأن.

 

الكفر العملي في الفهم ووضع البدع:

ينطبق هذا المستوى من الذم الشديد (الكفر) على من يُصرّ على منهجه مع علمه بالتحذيرات. وهذا الكفر أقرب إلى الكفر العملي في الفهم أو البدع في العقيدة؛ وهو بدعة تُغلق طريق الهداية على النفس وعلى أتباعها، وتضع الفرد في عداد معارضي طريق التفسير الصحيح، وتُعرّضه للعقاب الإلهي، لأنه بدلًا من الهداية، ساهم في نشر الضلال.

إن التأويل والتفسير بالرأي هو بمثابة حقن السم في جهاز حيوي. حتى لو لم يقصد الفاعل القتل المباشر (لأنه جاهل)، ولكن إذا علم أن السم سيُعطّل الجهاز (لأنه عالم بالنهي) وفعل، فإنه يكون مسؤولًا عن تدمير الجهاز (الدين) تدميرًا كاملًا.

والنتيجة أن جريمة "التأويل والتفسير بالرأي" في كلام المعصومين (ع) هي أن هذا الفعل ليس مجرد خطأ علمي، بل هو أيضًا أساس للفوضى الفكرية والعقائدية في الدين، ويحيد به عن منهجه الأصلي الإلهي.

وهذا النهي ليس مجرد أمر فقهي، بل هو أمرٌ جوهريٌّ للحفاظ على سلامة الدين ومنع تحريف أسسه. فأي تأويل، إن لم يستمد مرجعيته من الوحي والعترة، يصبح رأيًا بشريا لا قيمة له مقارنة بكلام المعصومين (ع).

لذا، فإن السبيل الوحيد للنجاة من هذا الكفر المفاهيمي وخطر الانحراف الشديد هو الالتزام بحديث الثقلين، والرجوع الدائم والصادق إلى علم أهل البيت (عليهم السلام) لفهم القرآن الكريم.

هذا الالتزام يضمن توافق فهمنا مع مقصد الشارع المقدس، ويمثل الجسر بين السماء والأرض في تفسير الكلام الإلهي. وقد كان سلوك الصحابة الكرام وأصحاب النبي (ص) وأهل بيت الوحي مبنيًا على هذا المبدأ، حيث كانوا يتلقون التفسير من منظور هذه الأنوار المقدسة فقط، دون إبداء آرائهم واجتهادهم ضد كلام المعصومين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة