بسم الله وله الحمد والمجد غاية آمال العارفين وحبيب قلوب الصادقين وأزكى صلواته وتحياته على صفوته المنتجبين الصادق الأمين وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أعزاءنا المستمعين ورحمة الله، تحية طيبة مباركة وأهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج موضوعها (الصيام قطب الرياضات الشرعية) كونوا معنا.
أيها الاخوة والأخوات، من الواضح أن هدف الرياضات السلوكية هو تقوية الإرادة وإعداد النفس لتلقي الإشراقات المعرفية والإلهامات الإلهية، وهذا الأمر يحققه الصيام لو تحقق بصورته الشرعية المطلوبة ولذلك كان الصيام قطب الرياضات الشرعية في مناهج العرفان المحمدي الأصيل.
وهذا ما يتبين بوضوح من خلال معرفة الصيام ومراتبه، قال المرجع الديني التقي آية الله الشيخ محمد أمين زين الدين في كتابه (كلمة التقوى): (للصوم درجات مختلفة الشأن، متفاوتة الآثار والتأثير في نفس المكلف الصائم وفي سلوكه الإختياري في هذه الحياة وفي قربه وبعده من ربه العلي الكبير، وأقل هذه الدرجات وأدناها منزلة هو الصوم العام الذي يشترك في الإتيان به جميع المكلفين، يؤدون به الفرض الواجب عليهم ويبتغون به نيل المثوبة والرضا من الله وامتثال أمره، وهو الإمساك عن المفطرات التي حددتها الشريعة عند توفر الشرائط المعينة في الأوقات المبينة، ولا ريب في أن لهذه الدرجة من الصوم على وحدتها مراتب مختلفة في نظر الشريعة الإسلامية المطهرة، وفي حصول القرب من الله، فمن يمسك عن المفطرات التي حرمها الله عليه عند صومه ويتنزه جهده مع ذلك في عمله وفي سرّه وجهره عن المحارم التي نهاه الله عنها حتى في غير الصوم، يكن حرياً بنيل القرب من الله سبحانه واكتساب الأجر الكبير الذي وعد الله به الصائمين، وتكون نفسه جديرة بالإرتفاع في مراتب التقوى والورع حتى تبلغ الغاية التي تطمح إليها والتي مرّن نفسه ومرن إرادته عليها طوال صومه وطوال شهره).
وهذه الآثار تحصل من الصيام المستحب أيضاً في غير شهر رمضان ولكنّ تأثيره التربوي يكون أقوى في الشهر المبارك بفعل خصوصيات هذا الشهر؛ قال آية الله الشيخ زين الدين:
(وإذا أضاف إلى ذلك ما يكتسبه من عطاء شهره العظيم في إقامته فيه للصلاة وتلاوته للكتاب وقراءته للدعاء ومواظبته على الإستغفار، وفي سائر تعبداته لله وصدقاته ومبراته في الشهر الذي يتضاعف فيه أجر العمل ويغفر فيه الزلل، حصل له من مجموع ذلك نبعٌ من الخير لا ينضب ومددٌ لا ينقطع. فإذا واصل السير في طريقه الذي اتخذه ودأب على السعي فيه بعد انقضاء الصوم وانتهاء الشهر ارتقى في السلم مرتبة بعد مرتبة ودرجة بعد درجة، كما يقول سبحانه في كتابه: "وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ"(سورة محمد ۱۷)... وكما يقول: "َيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً"(سورة مريم۷٦)... ومن الواضح أن هذا الملكف الصائم المحافظ بمنتهى جهده على سلامة صومه وسلامة دينه لا يستوي منزلة مع المكلف الآخر الذي يمسك عن المفطرات المحظورة في الصوم كما ذكرنا، ولكنه يطلق لنفسه أن يرتكب غيرها من المحارم والمآثم التي لم تحكم ظواهر الشريعة بأنها من المفطرات).
إذن مستمعينا الأفاضل، فالصيام يمثل رياضة شرعية مؤثرة في المنهج السلوكي إذا اقترنت بالإلتزام بسائر أحكام الشريعة الإلهية. كما أن الآثار السلوكية للصيام تزداد إذا اتسع إطاره وشمل دائرة أعمّ من المفطرات المعروفة، قال المرجع الديني آية الله الشيخ محمد أمين زين الدين:
(والثانية من درجات الصوم، وهي أرفع من الدرجة الأولى مقاماً وأوسع أثراً وأبلغ تأثيراً، هي أن يصوم الإنسان عن المفطرات المعينة، وتصوم معه جوارحه عن المآثم والمكروهات والمشتبهات وعن جميع ما لا يحمد ولا يحسن بالعبد المطيع من الأقوال والأفعال والحركات والتصرفات، ففي الحديث عن أبي عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام): "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك وشعرك وجلدك، وعدّ أشياء غير هذا، قال: ولا يكن يوم صومك كيوم فطرك". ويسمي بعض العلماء هذه الدرجة صوم الخاصة من الناس، وصوم الجوارح يعني أن تمنع وتصان كل جارحة من المحرمات والأسواء والمكروهات والمشتبهات التي تأتي من قلبها، فصوم اللسان أن يحفظه الصائم عن محرمات القول كبيرها وصغيرها وعن مكروهاته وعن جميع فضول الحديث ومشتبهاته وما لا يحمد ولا يحسن منه، فيعتصم عن جميع ذلك بالصمت وبالعبادة وتلاوة الكتاب وقراءة الدعاء والذكر والإستغفار، أو بالقول النافع المجدي في الدين والدنيا. وصوم السمع أن يصون المكلف جارحته عن الإصغاء لأي محرّم وباطل وأي إفك وزور وأي قول منكر أو فعل مكروه أو مشتبه، ولأي سفه يوجب استماعه للمرء حزازة في الدين أو نقصاً في المروءة أو ضعة في النفس أو في الخلق. وهكذا في صوم بصره وسائر جوارحه ومشاعره، فيصونها عن الإنحراف أو الشذوذ أو الميل في السلوك الصحيح وعن كل ما يخدش ويريب ويتجه بها جميعاً إلى النافع المجدي من الحركات والأعمال الزكية.
نشكر لكم إخوتنا وأخواتنا طيب المتابعة لحلقة اليوم من برنامجكم (الطريق الى الله) إستمعتم لها من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، تقبل الله أعمالكم ودمتم بألف خير.