إخوتنا الأماجد ... السلام عليكم، وأهلاً بكم في لقاء طيب آخر معكم، وحديث آخر حول أمير المؤمنين علي والقرآن الكريم، وقد استوقفتنا بعض الروايات في ذلك، فوقفنا عندها متأمّلين_ إحداهما: رواها المتقيّ الهندي وهو من مشاهير علماء السنة- في مؤلّفة المعروف (كنز العمال ج ۱ ص ۲۸۸) عن ابي الطفيل عامر بن وائلة قال: شهدت عليّ بن أبي طالب يخطب فقال في خطبته: سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء يكون إلى يوم القيامة إلا حدثتكم .... فقام اليه ابن الكوّا فقال: يا أمير المؤمنين، " وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً" ؟ فقال له: ويلك! سل تفقّهاً ولا تسأل تعنتاً، " وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً" الرياح، "فَالْحَامِلَاتِ وِقْراً" السّحاب، "فَالْجَارِيَاتِ يُسْراً "السفن، "فَالْمُقَسِّمَاتِ أَمْراً " الملائكة. والرواية الثانية –ايها الإخوة الأعزّة –ينقلها لنا شيخ القمّيين ابو جعفر محمد بن الحسن الصفار في كتابه (بصائر الدرجات الكبرى) عن زيد بن علي زين العابدين، قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): "ما دخل رأسي نوم ولا غمض على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى علمت من رسول الله (صلى الله عليه وآله) في ذلك اليوم ما نزل به جبرئيل في ذلك اليوم من حلال او حرام، أو سنّة أو أمر أو نهي، فيما نزل أو فيمن نزل فيه".. فلما سئل زيد كيف يكون ذلك وكان أحدهما يغيب عن صاحبه، أجاب: كان يتحفّظ على رسول الله (صلى الله عليه وآله) عدد الايام التي غاب بها، فإذا التقيا قال له رسول الله (صلى الله عليه وآله): "يا علي ، نزل عليّ في يوم كذا وكذا –كذا وكذا، وفي يوم كذا وكذا- كذا وكذا، حتى يعدّها عليه إلى آخر اليوم الذي وافى فيه".
*******
أمّا الرواية الاخرى التي أحببنا –ايها الإخوة الأكارم- قراءتها على مسامعكم الكريمة، فهي التي أوردها: الإيجيّ الشافعيّ في (توضيح الدلائل على تصحيح الفضائل)، والنعمان بن محمد المغربي القاضي في (شرح الاخبار في فضائل الائمة الأطهار)، والأربليّ في (كشف الغمّة)، والعلامة الحليّ في (كشف اليقين)، وابن المغازلي الشافعي في (مناقب علي بن ابي طالب) ...... أنّ النبيّ (صلي الله عليه وآله) قال: "إنّ القرآن أربعة أرباع: فربع فينا أهل البيت خاصة، وربعٌ حلالٌ، وربعٌ حرامٌ، وربعٌ فرائض وأحكامٌ، والله أنزل فينا كرائم القرآن" هذا ما رواه ابن عباس، أمّا الأصبغ بن نباتة، فقد روى –ولا تعارض- أنّ علياً (عليه السلام) قال: "أنزل القرآن أرباعاً: فربعٌ فينا، وربعٌ في عدوّنا، وربعٌ سنن وأمثال، وربعٌ فرائض واحكام، ولنا كرائم القرآن". اجل... فكيف يترك أمر نزل فيه ربع القرآن، وكرائمه؟ من هنا كانت الكتب تؤلّف فيه، والتفاسير تشير إليه.. لنقف على ذلك.
*******
قال تعالى في محكم تنزيله الكريم، "بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ". (البقرة: الاية الخامسة و العشرون) قال أهل التفسير: البشارة، هي الإخبار بما يوجب ظهور اثار السرور في بشرة المخبر –غالبا- أمّا العمل الصالح، فهو من الواضحات عند الناس: مفهوماً، ومصداقاً... وهو كلّ ما يحبّه الله ويرتضيه. وهنا قد يسأل متسائلٌ: من هؤلاء المبشرون –وقد امنوا وعملوا الصالحات- بأنّ لهم من الله جنات تجري من تحتها الأنهار كلّما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا: هذا الذي رزقنا من قبل، وأتوا به متشابها؟ لمعرفة الجواب الأدقّ والأصحّ، لابدّ من اللجوء الى الرواية، حيث نجد الشيخ المجلسيّ في (بحار الانوار)، والاسترابادي النجفي في (تأويل الايات الظاهرة) وغيرهما، ينقلون عن الامام الحسن العسكري (عليه السلام) قوله في الآية الشريفة: قال تعالى: "وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ"،اي امنوا بالله وحده، فصدّقوك بنبوّتك فاتخذوك إماماً، وصدّقوك في أقوالك، وصوّبوك في أفعالك، واتخذوا أخاك علياً بعدك إماماً، ولك وصيّاً مرضيّاً، وانقادوا لما يأمرهم به، وصاروا الى ما أصارهم إليه، ورأوا له ما يرون لك إلاّ النبوة التي أفردت بها، وإنّ الجنان لا تصير لهم إلاّ بموالاتك وموالاة من ينصّ عليه من ذريته، وموالاة سائر أهل ولايته، ومعاداة اهل مخالفته وعداوته... هذا –أيها الإخوة الأحبة- تفسيرٌ، وتفسيرٌ آخر ينقله الحبريّ- وهو فيما نزل من القرآن في خاصّة رسول الله وعلي وأهل بيته دون الناس قوله جلّ وعلا: "وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ "الاية، أنها نزلت في: علي وحمزة وجعفر الطيار وعبيدة بن الحارث بن عبد المطلب. وكذلك رواه الحاكم الحسكانيّ الحنفيّ في (شواهد التنزيل- في ظل الاية المباركة). وهنا نقول: إنّ المصداق الأتمّ للذين امنوا- كما في وافر روايات ابن عباس- هو الإمام علي (عليه السلام)، أمّا تطبيقاً لا تخصيصاً، فهو الخبر المرويّ عن ابن عباس ايضا، ذلك أنّ الاية الشريفة نازلة في أمير المؤمنين علي (عليه السلام)، وكذا في: حمزة عم النبي، وفي جعفر وعبيدة بن الحارث ابني عمّ النبي، (صلى الله عليه وآله).