بسم الله وله المجد والحمد سيد المنعمين ومحمود الشاكرين، واسنى التحيات والصلوات الزاكيات على ساداتنا محمد وآله الهداة.
السلام عليكم اعزاءنا ورحمة الله وبركاته، على بركة الله ندعوكم لمرافقتنا في فقرات هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل، وعناوينها هي:
- اوصاف الجنة ونعيمها وهي فقرة قرآنية
- المحسن كالعائد لأهله وهي فقرة روائية
- وفقرة ادبية عنوانها: "لفي بعض اشراطها"
- وفي غضون ذلك يجيب خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند سؤالاً عن الشفاعة والاتكالية
*******
الفقرة الاولى اعتقادية وقرآنية عنوانها هو:
اوصاف الجنة ونعيمها
اجمعت جميع الاديان السماوية على ان الله جل جلاله قد اعد الخير داراً يحيون فيه حياتهم الاخروية الخالدة اسمها الجنة.
كما انه تبارك وتعالى اعد لأهل الشر داراً لحياتهم الاخروية اسمها النار او الجحيم.
ولكل منهما درجات ومراتب، فلكل انسان من اهل الخير جنة تناسب مقدار صالحات اعماله في هذه الحياة الدنيا.
ولكل انسان من اهل النار جحيم تناسب ما ظل ملازماً له من اعمال الشر ولم يتب ولم يتطهر منه ولا يوجد في اي من الكتب السماوية ما يوجد في القرآن الكريم من تبيان كامل لحقيقة الجنة ونعيمها ولذاتها ولحقيقة النار وجحيمها وعذابها.
ومن الظروري لطالب النجاة ان يعرف هذه الحقائق لكي يعرف الدار التي هو راحل اليها حتماً مقضياً ولكي يختار منزله فيها ويعد عدته له من الآن، فمنزله هناك هو ثمرة العمل والدنيا هي دار العمل، فهو هنا يختار المنزل الذي يطلب ان يحيا فيه حياته الخالدة.
وها نحن الافاضل نبدأ في هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل بعرض اجمالي للوصف القرآني للجنة دار النعيم الخالد.
كثيرة هي الآيات التي تصف الجنة ونعيمها لذلك نسعى هنا الى ذكر ابرز المعالم الرئيسة للجنة من خلال تخليص مضامين الآيات الكريمة فهي دار السلام الخالية من جميع اشكال الاذى والخوف واللغو ومالا يرغب فيه من الكلام فلا أثر فيها لغير تحية السلام والكلام الطيب.
وهي دار الطهارة المطلقة يُنزع فيها الغل والاحقاد وجميع الاخلاق الذميمة، فهي واهلها خالون من جميع المنفرات الذاتية والخارجية.
والجنة هي كما يصفها القرآن دار النعيم المقيم ذو اكل دائم مستمر لا انقطاع له اي ان اهل الجنان في حالة تنعم مستمر باللذات لا يغفلون عنها.
وهذا التنعم بلذات الجنان لا ينغصه شئ من المنغصات المألوفة مع لذات الدنيا، مثل الضعف والتعب والملل والقلة ونظائر ذلك.
فهو نعيم لا حدود له يلبي كل طموحات الانسان واقصى امانيه ليس هنا بل عندما يرى نعيم الجنة نفسه.
فلأهل الجنة كل ما تشتهيه انفسهم وكل ما يشاؤون، بل وفوق ذلك يقدم لهم مالم يخطر ببالهم ومالم تعرفه او تتصوره أذهانهم وفيه قرة اعين لهم؛ فإن عند الله مزيد.
وفوق كل ذلك هناك اللذات المعنوية العالية كنعيم «رِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ»، وكلذات القرب الالهي والتكريم «فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ»ومغفرة ورزق كريم.
وهو نعيم يذهب جميع اشكال الحزن؛ لأنه نعيم بغير حساب لا يمكن مقارنته بحجم الاعمال الصالحة التي عملها اهل الجنة في الدنيا ورغم ذلك فهو نعيم غير ممنون لا يستشعر المتنعمون به شيئاً من الذلة لانه من الله عزوجل ولذلك فهم ـ بجميع مراتبهم ـ يرضونه.
ولذلك كان الحمد لله وتمجيده وتسبيحه هو دعاء اهل الجنة «دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ».
روى الشيخ الجليل علي بن ابراهيم في كتاب التفسير ان ابا بصير طلب من الامام الصادق (عليه السلام) ذات يوم ان يحدثه بما يشوقه للآخرة، فقال له (عليه السلام): يا ابا محمد؛ ان من ادنى نعيم الجنة ان يوجد ريحها من سيرة الف عام من مسافة الدنيا، وان ادنى اخل الجنة منزلاً لو نزل به الثقلان الجن والانس لوسعهم طعاماً ولا ينقص مما عنده شيء، وان ايسر اهل الجنة منزلة من يدخل الجنة فيرفع له ثلاث حدائق.
فاذا دخل أحدناهن رأى فيها من الازواج والخدم والانهار والثمار ما شاء الله مما يملأ عينيه قرة وقلبه مسرة.
فاذا شكر الله وحمده قيل له: ارفع رأسك الى الحديقة الثانية ففيها ماليس في الاولى فيقول: يا رب اعطني هذه.
فاذا دخلها وعظمت مسرته شكر الله وحمده، فيقال: إفتحوا له باب الجنة، ويقال له: ارفع رأسك
فاذا (رفع رأسه راى) قد فتح له باب من الخلد ويرى اضعاف ما كان فيما قبل عند تضاعف مسراته.
رب لك الحمد الذي لا يُحصى إذ مننت عليّ بالجنان وأنجيتني من النيران.
وهنا بكى ابو بصير رضوان الله عليه وطلب من الامام الصادق عليه السلام ان يزيده فواصل الامام حديثه عن هذا النعيم الكريم.
ونحب ان نشير في ختام ما نقلناه الى قضية مهمة مستفادة من هذا الحديث الشريف.
وهي ان حمد الله وشكره على نعمائه سبب لزيادة النعمة في الدنيا والآخرة، جعلنا الله واياكم من الحامدين الشاكرين.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج عوالم ومنازل بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند اهلاً ومرحباً بكم:
الشفاعة والاتكالية
المحاور: سلام من الله عليكم احبائنا، شكراً لكم على طيب المتابعة لفقرات برنامج "عوالم ومنازل" ومنها هذه الفقرة التي نلتقي بها عبر الهاتف بخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند ليتفضل مشكوراً بالاجابة عن اسئلتكم، سماحة الشيخ من الاخ ابو سجاد من العراق يقول اليست في الشفاعة حالة من اضعاف روح العمل الصالح في الانسان وجعله يتكل على شفاعة الشافعين، كيف تردون على هذه الشبهة سماحة الشيخ؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم وصلى على محمد وآله الطاهرين، في الحقيقة الشفاعة شأنها شأن بقية الامور المحفزة والحوافز العديدة للشريعة الباعثة على الامل، فان هناك وعيد في الشريعة بالعقوبات على المعاصي وما شابه ذلك، كما ان للخطاب المتوازن في الشريعة هناك بشائر ومحفزات وبواعث للامل، نعم من ينظر في خطاب من خطابات الشريعة ويقتصر بالنظرة عليه دون النظر الى بقية خطابات الشريعة ربما تميل به سكان المثار والرؤية اليه بشكل غير متوازن فيسوف به الامل، والعكس لا سامح الله لو اقتصر في نظرته الى الوعيد بالعقاب في بعض خطابات الشريعة ايضاً لاختل توازن الرؤية لديه ولربما اصبح يائساً او بالتالي منزلقاً في المعاصي نتيجة يأسه واليأس الذي اصاب، في الحقيقة لابد من النظرة الى الشريعة بنظرة مجموعية متوازنة يلحظ فيها الحوافز وبواعث الامل كما يلحظ فيها الزواجر والنواذر التي هي في الحقيقة تسكن او تجمد ما لدى الانسان من نزوات غرائزية وما شابه ذلك، بالتالي هي تصقل النفس الانسانية بجناحين متوازنين يطير بهما الى آفاق العلو والتكامل، مثلاً لدينا من حج فان بعد حجه يضرب ملك او ملكان على قفاه ويقولان استقبل عملك فقد غفر لك ما تقدم من ذنبك، او مثلاً ان الام اذا ارضعت ابنها بعد ان تفطمه من الرضاع، يخاطبها منادي قد غفر ذنبك كما ولدتك امك، هذه في الحقيقة حوافز وبواعث ان هناك نوافذ للامل يجب ان لا ييأس الانسان مهما تعاظم ذنبه وجرمه، ومن جانب ايضاً هناك في الحقيقة زواجر وعيد بنذورات الهية يجب ان لا يتمادى بالانسان الامل الى التسويف او ما شابه ذلك، فالحقيقة ان هناك نوع من التوازن في هذه الامور يجب ان تلحظ بشكل مجموعي متزن.
المحاور: سماحة الشيخ الاخ ابو هاشم من اليمن يقول ايهما اصح ان نقول: اللهم شفع فيَّ نبيك او يا رسول الله اشفع لي عند اللهايّ الصيغتين هي الصحيحة؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة كلا الصيغتين هي صحيحة وفي الصيغتين هناك مراعات للادب الالهي، وقد ورد لدينا تعليم لكلا الصيغتين في القرآن الكريم كما بين القرآن الكريم في سورة يوسف على لسان اخوة يوسف خطاباً لابيهم يعقوب يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا، وورد ايضاً وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَاؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ، يعني يبين لنا القرآن الكريم الادب انه في البدء يجب ان يلتجأو ويلوذو بحريم سيد انبيائه، والقرآن يحثنا على ذلك في سورة النساء، كذلك في سورة المنافقين يحث القرآن الكريم على اللواذ والالتجاء والجوء الى ساحة نبيه الاعظم، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ، فالرسول هو الذي يكون مخاطباً للباري تعالى نيابة عن هؤلاء المذنبين ليكون شفيعاً لهم وبين القرآن سر ذلك بان الرسول بعث لجميع الكائنات رحمة، وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ، لجميع الكائنات لجميع المخلوقات والخلائق، ففي الحقيقة، في كلا النمطين هو الرجوع الى الباب العظيم الالهي ولا حرج في ذلك بل كليهما جائز، نعم هناك من يوسوس في النمط الثاني وذلك كأنما وسوسته وحريجته في ذلك اتباعاً لسنة المنافقين حيث يأبون ان يلجأو الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُؤُوسَهُمْ، يلوون برؤوسهم ويستكبرون عن الخطاب والنداء لرسول الله صلى الله عليه وآله.
المحاور: اعاذنا الله واياكم سماحة الشيخ وجميع الاخوة والاخوات من اخلاق المنافقين، شكراً جزيلاً سماحة الشيخ محمد السند، وحيا الله الافاضل وهم يتابعون مشكورين ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل.
*******
نتابع احباءنا اذاعة طهران تقديم هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل بفقرة روائية اخرى عنوانها هو:
المحسن كالعائد لأهله
الاكارم اخترنا لكم في هذه الفقرة، مواعظ مؤثرة للصحابي الجليل ابي ذر الغفاري (رضوان الله عليه).
فقد روى الشيخ الكليني في كتاب الكافي عن مولانا الامام الصادق سلام الله عليه قال:
جاء رجل الى ابي ذر، فقال: يا ابا ذر مالنا نكره الموت؟
فاجاب ابو ذر: لانكم عمرتم الدنيا واخربتم الاخرة فتكرهون ان تنقلوا من عمران الى خراب.
وهنا سأله الرجل عن طوائف الناس يوم الحشر فقال: يا ابا ذر فكيف ترى قدومنا على الله؟
فاجاب ابو ذر رضوان الله عليه: اما المحسن منكم فكالغائب يقدم على اهله واما المسيء منكم فكالآبق يرد على مولاه.
فسأله الرجل: يا ابا ذر فكيف ترى حالنا عند الله؟ يعني هل نحن مرضيين عنده عز وجل؟
فاجاب (رضي الله عنه) قائلاً: اعرضوا اعمالكم على الكتاب، ان الله يقول: «إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ، وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ».
وهنا قال الرجل: فأين رحمة الله يا ابا ذر؟
فاجابه (رضوان الله عليه) قائلاً: رحمة الله قريب من المحسنين.
ثم قال مولانا الامام الصادق (عليه السلام): وكتب رجل الى ابي ذر رضي الله عنه يقول: يا ابا ذر اطرفني بشيء من العلم.
فكتب ابو ذر اليه: العلم كثير ولكن ان قدرت ان لا تسيء الى من تحبه فافعل.
فقال له الرجل: وهل رايت احد يسيء الى من يحبه؟!
فاجابه ابو ذر: نعم، نفسك، احب الانفس اليك فاذا انت عصيت الله فقد اسات اليها.
*******
وها نحن ندعوكم الى فقرتها الختامية وهي شعرية عنوانها هو:
لفي بعض اشراطها
اخترنا لكم الاعزاء في هذا اللقاء مقطوعة شعرية رقيقة ومؤثرة في ذم عبودية الدنيا والدعوة الى اعمار الاخرة.
وهي من انشاء الشاعر المعروف ابي نواس، يقول فيها رحمه الله بلغة عتابية بليغة يخاطب فيها نفسه:
رضيت لنفسك سواتها
ولم تال جهدا لمرضاتها
وحسنت اقبح اعمالها
وصغرت اكبر زلاتها
وكم من طريق لاهل الصبا
سلكت سبيل غواياتها
فاي دواعي الهوى عفتها
ولم تجر في طريق لذتها
واي المحارم لم تنتهك
واي الفضائح لم تاتها
ثم ينتقل الشاعر الى تذكير نفسه بان الخضوع الى اسر الدنيا يوقعه في مقاساة اهوال القيامة وما بعد قائلاً:
وهذي اقبلت بمواعيدها
واهوالها فارع لوعاتها
واني لفي بعض اشواطها
واياتها وعلاماتها
وثم يدعو الشاعر الى التفكر في ايات الرحمة الالهية وحقائق الحياة قائلاً:
تبارك رب دحا ارضه
واحكم تقدير اقواتها
وصيرها محنة للورى
تغر الغوي بغزواتها
فما ترعوي لاعاجيبها
ولا لتصرف حالاتها
ننافس فيها وايامها
تردد فينا بآفاتها
اما يتفكر احياءها
فيعتبرون بامواتها؟!
*******