كانت مدينة بجنورد في العهد القاجاري تحيط بها من الشمال والغرب بساتين كبيرة وعمارات فخمة، بيد أنه لم يتبق من جميع هذه المعالم سوى عمارتين اثنتين إحداهما عمارة المرايا.
وهذه العمارة كان يعيش فيها والي مدن بجنورد وإسفراين وجاجرم واسترآباد “القائد مفخم”، حيث اللقاءات والجلسات الرسمية مع المسؤولين والشخصيات السياسية القاجارية كانت تنعقد في هذا المكان الذي يعدّ حالياً متحف الانثروبولوجيا على مستوى محافظة خراسان الشمالية.
وتم بناء هذه العمارة المستطيلة الشكل في طابقين اثنين مع زخارف داخلية وخارجية.
والزخارف الخارجية للعمارة تتضمّن قطعاً قاشانية بالألوان السبعة وأشكالاً عن الورود والزهور والأعشاب وصوراً انسانية وحيوانية.
ولهذه العمارة أربع منارات في جانبي المدخل الرئيسي، حيث كتبت كلمة “محمد” 12 مرّة متكررة على منارتين من أصل المنارات الاربع.
وفي الطابق الثاني للمبنى، توجد صالة مزخرفة تماماً بالمرايا؛ ومن هنا جاءت تسمية العمارة بعمارة المرايا. وجميع الجدران الداخلية لهذه الصالة تم تزيينها بقطع المرايا المقرنصة المتناظرة. أما أبوابها فصُنعت من خشب الصندل وزيّنت بالعاج والعظام.
والمصمم والفنان المعماري لصالة المرايا وكما العمارة نفسها هو “ميرزا مهدي خان شقاقي (ممتحن الدولة)” الذي كان أول خريج معماري ايراني درس في كلية هندسة العمارة في باريس.
وصالة المرايا نفسها تم بناؤها في الطابقين، حيث يبلغ أبعادها نحو 11×18 متراً وارتفاعها حوالي 10 أمتار، وتوجد فيها 9 غرف.
والمواد الإنشائية لهذه العمارة هي الرمل والكلس والجص ناهيك عن استخدام الحجر في بناء أساس العمارة، وذلك مراعاةً للقوانين المعمارية عند عملية البناء.
هذا وتمت الاستفادة من خشب العرعر بشكل أفقي وعمودي في العمارة، مما يضفي قوةً ورصانةً اضافية لها.
والواجهة الخارجية للعمارة مزيّنة بالقطع القاشانية ذات الألوان السبعة والمعقلية والإسليمية. والصور الإسليمية الموجودة على الواجهة الخارجية هي صور ورسومات مستلهمة من المظاهر والجاذبيات الطبيعية.
أما سقوف العمارة فهي مشبّكة خشبية، مما يؤشر على ميزات الفن المعماري الايراني في العصر القاجاري.
وعند الواجهة الشمالية (الرئيسية) للعمارة، توجد اربع أعمدة نصف دائرية، يبلغ قطرها قرابة 110 سنتيمتراً وارتفاعها 10 أمتار. وهذه الأعمدة نصف الدائرية تم تزيينها بالقطع القاشانية ذات الألوان الفيروزجية واللاجوردية والسوداء والبيضاء والصفراء فضلاً عن تزيينها بالخط المعقلي الرائع، وتطالعنا كلمة “محمد”، حيث تتكرر 12 مرّة وبشكل منتظم على هذه القواعد نصف الدائرية من أسفلها الى أعلاها.
وفي وسط هذه الواجهة، تتوالى الأشكال والرسومات الإسليمية الرائعة مصحوبة بخلفية باللون اللازوردي، حيث تتراءى صورة لصراع دائر بين أسد و تنين؛ والى جانبهما في الصورة، يظهر جنديان يصوّبان بندقيتهما صوب حلبة الصراع بين الأسد والتنين.
جدير بالذكر أنه في ثقافة ايران القديمة، يرمز الاسد الى الخير، بينما التنين يرمز الى الشر.
كما يطالعنا في طرفي المدخل الرئيسي، جنديان يحرسان العمارة، حيث كيفية وقوفهما وكذلك نظراتهما تذكّرنا بلوحات العزاء المألوفة في العهد القاجاري.
وعمارة المرايا في بجنورد تعكس مدى الدقة والروعة الفنية الجمالية التي أبدعتها أنامل الفنان الايراني البارع في إنشاء عمارة كهذه، مستلهماً من أنماط الفنون الراقية مثل الهندسة المعمارية والزخرفة بالرسوم والصور والقاشاني والمرايا.