بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الامين وآله الهداة الابرارالميامين. مستمعينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم الى برنامج القصص الحق. ايها الأحبة في هذه الحلقة من البرنامج نحط الرحال عند الجزء الاخير من قصة نبي الله عيسى (عليه السلام) التي ذكرت في الآية ٥٥ من سورة ال عمران المباركة. فتابعونا ايها الكرام ضمن المحطات التالية:
بعد مقدمةٍ قصيرةٍ ننصت خاشعين الى تلاوة هذه الايات. ثم نتطرّق الى معاني مفرداتها وعبارتها. بعدها نتابع معاً حديث ضيف هذا اللقاء الذي يسلّط الضوء على بعض الاسئلة التي تخصّ الآية. ثمّ نتابع معاً سرد الجزء الأخير من حكاية النبي عيسى عليه السلام. ونواصل البرنامج بتقديم روايةٍ عن الامام الصادق عليه السلام بشأن الموضوع. ختاماً مع عددٍ من الدروس والنتائج المأخوذة من هذه الحكاية، فأهلاً ومرحباً بكم الى فقرات هذا اللقاء.
المقدمة
ايها الاخوة والاخوات وصل بنا الحديث حول حياة عيسى بن مريم (عليهما السلام) الى انه اخذ البيعة من أنصاره عندما احسّ بالكفر فاستجاب لندائه نفرٌقليل، كانوا أطهاراً سمّاهم القرآن بـ (الحواريّين)، لبّوا نداء المسيح. من جانب آخر كان اليهود يخطّطون لقتل المسيح بهدف القضاء على دعوته، وصدّ انتشاردينه، فوضعوا الخطط الماكرة، إلاّ أنّ ما رسمه الله من مكرٍ فاق مكرهم وكان أشدّ تأثيراً. الآية التالية تحكي ما جرى لعيسى (عليه السلام) بعد ان قام الاعداء بتنفيد خطّتهم الماكرة فلنستمع معاً للاية:
التلاوة
"إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ{٥٥}"
المفردات
في هذه الآية يذكر الله نعمته على المسيح قبل وقوع الحادثة، قائلاً: "إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ"، من المعروف عند المفسّرين، بالإستناد إلى الآية ۱٥۷ من سورة النساء، أنّ السيّد المسيح لم يقتل، وأنّ الله رفعه إلى السماء، غير أنّ المسيحيّين يقولون إنّه قتل ودفن، ثمّ قام من بين الأموات وبقي لفترةٍ قصيرةٍ على الأرض ثمّ صعد إلى السماء. ولكنّ الذي لابدّ من قوله الآن هو أنّ هذه الآية ليس فيها دليلٌ على موت عيسى، على الرغم من أنّ بعضهم تصوّر أنّ كلمة (متوفّيك) من (الوفاة). وعلى ذلك فإنّهم يرون أنّ هذا الموضوع يتعارض مع الرأي السائد بين المسلمين، والذي تؤيّده الأحاديث، من أنّ عيسى لم يمت وأنّه حيٌ، ولكنّ الأمر ليس كذلك. (الفوت) هو بعد الشيء عن الإنسان بحيث يتعذّر إدراكه، و(الوافي) الذي بلغ التمام، ووفى بعهده إذا أتمّه ولم ينقصه، وإذا استوفى أحدٌ دينه من المدين قيل (توفّي دينه). وفي القرآن وردت (توفّي) كراراً: "وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ"، فهنا عبّر عن النوم بكلمة (يتوفّاكم). هذا المعنى نفسه يرد في الآية ٤۲ من سورة الزمر، كما ترد كلمة (توفّى) في آياتٍ أخرى بمعنى الأخذ. صحيحٌ أنّ (توفّى) قد تأتي أحياناً بمعنى الموت، ولكنّها حتى في تلك المواضيع لا تعني الموت حقّاً، بل بمعنى قبض الروح، والواقع أنّ مادّة (فوت) ومادّة (وفي) منفصلتان تماماً.
يقول الله: يا عيسى إنّني سوف استوفيك وأرفعك إليّ، وهذا يعني حياة عيسى، لا موته. (وطبعاً إذا كانت كلمة (توفّى) بمعنى قبض الروح فقط، فإنّ لازم ذلك هو الموت). ثمّ تضيف الآية "وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ". هذا جانب آخر من خطاب الله إلى المسيح، والقصد من التطهير هنا هو إنقاذه من الكفّار الخبثاء البعيدين عن الحقّ والحقيقة الذين كانوا يوجّهون إليه التّهم الباطلة، ويحوكون حوله المؤامرات ساعين إلى تلويث سمعته، فنصر الله دينه، وطهّره من تلك التّهم، بمثل ما نقرأه عن نبي الإسلام (صلى الله عليه وآله) في أوّل سورة الفتح: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ"، أي أنّنا هيّأنا لك نصراً واضحاً كي يغفر لك الله ذنوبك السابقة واللاحقة، أي يطهّرك من التّهم التي ألصقوها بك على شكل ذنوب. كما يحتمل أن يعني التطهير إخراج المسيح (عليه السلام) من ذلك المحيط الملوّث، وهذا يناسب الآية السابقة. "وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، وهذه بشارةٌ يبشّر بها المسيح وأتباعه لتشجيعهم على المضيّ في الطريق الذي اختاروه، والواقع أنّ هذه واحدةٌ من آيات الإعجاز ومن تنبّؤات القرآن الغيبية التي تقول إنّ أتباع المسيح سوف يسيطرون دائماً على اليهود الذين عادوا المسيح. وها نحن اليوم نرى هذه الحقيقة رأى العين، بديهيٌّ أنّ (الكافرين) هنا هم اليهود الذين كفروا بالمسيح.
وفي ختام الآية يقول تعالى: "ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ"، ويعني أنّ ما تقدّم من الانتصارات والبشائر يتعلّق بالحياة الدنيا، أمّا المحكمة النهائية ونيل الجزاء الكامل فسيكون في الآخرة.
*******
زين العابدين: احسنتم كثيراً يعني السؤال الاول يعني الشق الاول من السؤال انه ماالحكمة من ان يجعل الله تعالى عيسى عليه السلام حياً الى يوم القيامة؟ طبعاً نحن لانستطيع ان نحدد نقاط لمجرد ان نذكر بعض الامور لعلها تكون حكم في ذلك لأن الاية في سورة النساء، الاية الثامنة والخمسون بعد المئة "وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً* بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً" كان الله عزيزاً حكيماً يعني من عزة الله عزوجل هذا الرفع لعيسى عليه السلام من كيد اليهود ومكرهم لأنه "وَاللّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ" يعني ان الله عزوجل مكر بهم من خلال القاء الشبه على صاحبهم الذي تآمر على عيسى فأعدموه وصلبوه وقتلوه، قتلوا كما يقال هذا يهود الاصخريوطي هو الذي تآمر على عيسى عليه السلام فكان المكر الالهي هنا مكر محمود، يعني هناك عدة حكم في وجود عيسى عليه السلام حياً من خلال ظاهر القرآن الكريم والقرآن يقول هذا تعبير عن عزة الله عزوجل يعني العزيز الغالب الذي لايغلب مهما تآمر الاعداء على انسان ليقتلوه ولكن الله عزوجل، شاء الله ان يكون حياً، ان يرفعه اليه، ان يقتل الذي تآمر عليه، هذا معنى "ويمكرون مكراً ومكر الله" من القاء الشبه على صاحبهم فهذه حكمة والحكمة الاخرى يعني "عَزِيزاً حَكِيماً" يعني الله بحكمته طبعاً هناك ربما امور كثيرة كانت مثلاً اظهار القدرة الالهية الربانية، مثلاً اثبات ان الله قد يؤخر انساناً الى يوم القيامة وان يعيش العمر الطويل دلالة على مقبولية عمر الامام المهدي عليه السلام يعني عيسى عليه السلام قبل الاسلام بخمسمئة سنة، يعني الان عيسى عليه السلام حي يرزق في السماء وعمره اكثر من الفي سنة تقريباً بينما الامام المهدي عليه السلام الان عمره تقريباً الفاً ومئتي سنة فهذه تقرب لنا كما حياة الخضر عليه السلام، الخضر لو نقرأ تاريخ الطبري يبحث عن الخضر بعضهم يقول ان الكل يؤمنون ان الخضر لازال حياً يرزق وعمره ثمانية الاف سنة هذا يدل على قدرة الله عزوجل والتقريب الى الاذهان ان المهدي عليه السلام ممكن ان يكون حياً بقدرة الله عزوجل، بكرامة الله عزوجل بالنسبة للائمة عليهم السلام وبمعجزة الله عزوجل بالنسبة للانبياء هذا يعني شق، شق الحكمة من جعل عيسى عليه السلام اما كيف نفهم هذا الاستعلاء او هذه الغلبة"وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" لاضرر لأن الذين يتبعون عيسى عليه السلام المسيحيون النصارى المخلصون المؤمنون كذلك المسلمون المخلصون يتحدون بالايمان بعيسى عليه السلام ويكون عيسى ينزل اخر الزمان ليصلي خلف الامام المهدي فليس هناك تعارضاً يعني هذا التعبير الجميل "وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ" يعني فوق اليهود يعني الله عزوجل يجعل النصارى ويجعل المسلمين الذين يؤمنون بعيسى وآمنوا بعيسى وبرسالته وبنبوته هؤلاء جميعاً سواء كانوا من المسلمين او من النصارى المخلصين لأن تعرفون ان القرآن الكريم يمدح النصارى يعني هناك اختلاف بين اليهود والنصارى "لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ" قبل الاية "لتجدنهم اقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا انا نصارى ذلك بأن منهم قسسيسين ورهباناً وانهم لايستكبرون" اذن القرآن الكريم في الوقت الذي يذم فيه اليهود الذين كفروا بالمسيح عليه السلام وتآمروا عليه من خلال الكيد والمكر وانهم يفتخرون بقتله ودفنه وبعضهم يدعي انه صلب، من اليهود يفتخرون بذلك فيما نرى الوحدة هنا بين المسيحيين والمسلمين في الايمان بعيسى، النبي والرسول والطاهر والمطهر الذي جاء بكلمة من الله عزوجل هذه بالعكس نقطة اشتراك بيننا وبين النصارى ليتحد هؤلاء المخلصون جميعاً ضد قتلة الانبياء وهم اليهود.
هنا يتبادر سؤالان إلى الذهن، الاول هو ما الحكمة في ارادة الله تعالى في ان يجعل النبي عيسى (عليه السلام) حياً الى يوم القيامة؟ والآخر هو أنّ اليهود والنصارى، بموجب هذا المقطع من الآية "وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ"، سيبقون في الدنيا حتى يوم القيامة، وأنّ أتباع هاتين الديانتين سيبقون أيضاً، مع أنّ الأخبار الخاصّة بظهور المهدي (عليه السلام) تبيّن أنّه (اي الاسلام) يخضع جميع الأديان ويحكم العالم كلّه فكيف يمكن الجمع بين هذا وذاك؟.
*******
القصة
قرر اليهود بالتعاون مع بعض المسيحيّين الخونة، قرّروا قتل السيّد المسيح (عليه السلام)، فبعثوا جماعةً لكي يلقوا القبض على المسيح (عليه السلام) ويصلبوه فأحبط الله مكرهم، وشاء تعالى ان يكون الذي قبضوا عليه هو الخائن الذي تعاون معهم حيث جعله الله شبيهاً بعيسى (عليه السلام). فأخذوا شبيه عيسى (عليه السلام) باعتقادهم انّه عيسى وكان ملك الروم هو الذي امر بقتله وذلك بمساعدة اليهود من بني اسرائيل. وهكذا ادّعى اتباعه انّه صلب ودفن وزعموا أن الله سبحانه رفعه بعد قتله من قبره إلى السماء لكنّ الله عزّوجل نجّى نبيّه وكلمته فنزل الوحي الالهي قائلا: "يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ"، يا عيسى إنّني سوف استوفيك وأرفعك إلي، وهذا يعنى انك ستبقى حياً لا تموت الى ما شاء ربك. ثم بشّره الله عزّوجلّ بأنّه سيخلّصه من اذى اليهود والكفّار الخبثاء البعيدين عن الحقّ والحقيقة الذين كانوا يوجّهون إليه التّهم الباطلة، ويحوكون ضده المؤامرات ساعين إلى تلويث سمعته، فنصر الله نبيّه، وطهّره من تلك التّهم قائلا: "وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ". ولم يكتف الباري عزّوجلّ بالنصر لنبيه عيسى (عليه السلام) بل بشّره بالنّصر والغلبة المستمرة: "وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ".
من هدى الائمة _عليه السلام_
روي عن الامام الصادق (عليه السلام) انّه قال: "بعث الله عيسى بن مريم، واستودعه النور والعلم والحكم وجميع علوم الأنبياء قبله، وزاده الإنجيل، وبعثه إلى بيت المقدس إلى بني إسرائيل يدعوهم إلى كتابه وحكمته، وإلى الإيمان بالله ورسوله فأبى أكثرهم إلاّ طغيانا وكفرا، فلمّا لم يؤمنوا دعا ربّه وعزم عليه فمسخ منهم شياطين ليريهم آيةً فيعتبروا فلم يزدهم ذلك إلاّ طغياناً وكفرا فأتى بيت المقدس فمكث يدعوهم ويرغّبهم فيما عند الله ثلاثً وثلاثين سنةً حتى طلبته اليهود وادّعت أنها عذّبته ودفنته في الأرض حياً، وادّعى بعضهم أنّهم قتلوه وصلبوه، وما كان الله ليجعل لهم سلطاناً عليه، وإنّما شبّه لهم، وما قدروا على عذابه وقتله ولا على قتله وصلبه لأنّهم لو قدروا على ذلك لكان تكذيباً لقوله ولكن رفعه الله بعد أن توفّاه".
دروس وعبر
نستنتج من قوله تعالى "رَافِعُكَ إِلَيَّ" انّ لبعض الانبياء ايضا كان لهم معراجاً كما للنبي محمدٍ (صلى الله عليه وآله). ان الحياة في مجتمعٍ كافرٍ من اسباب التلوّث بالمعاصي والابتعاد عنهم سببٌ للطهارة وعدم المعصية. وهذا الامر يشير اليه قوله تعالى: "مُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ". ممّا يؤكّد مسألة خلود القرآن هو تنبؤه بغلبة المسيح دوما على اليهود اي "جَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ" الامر الذي يبدوا جليّاً لكل ناظرٍ لاوضاع اليهود الصهاينة، الذين اصبحوا غير قادرين على إدامة حياتهم السياسية والاجتماعية يوماً واحداً بغير الاستناد إلى المسيحيّين. كما تشير الآية ضمناً الى انّ سرّ الغلبة والنصر هو في الاتّباع لتعاليم الانبياء (عليهم السلام).
واخيراً وليس آخراً فانّ عودة الجميع الى الله عزّوجل وهو الذي سيحكم بين العباد. فالأجدر بالعبد ان يخضع لأمر مولاه ويصبر على طاعته ومعصيته ولا يخرج عن مسير الطاعة بسبب ما يبثّه الأعداء من سمومٍ وآفاتٍ فالله هو الناصر والمعين.