بسم الله الرحمن الرحيم الحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وحبيبه محمد وآله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واهلاً بكم الى برنامج القصص الحق
في هذا اللقاء سنتعرف معاً على قصّة صلح الحديبية التي ذكرت في بداية سورة الفتح رافقونا مستمعينا الكرام في هذا البرنامج ضمن المحطات التالية.
بعد مقدمة عن هذا الصلح المعروف بصلح الحديبية ننصت معاً الى تلاوة مرتلة للايات المشيرة اليه.
ثم نقف عند معاني المفردات والعبارات القرآنية الواردة فيها.
نستمع الى إجابة خبير هذا اللقاء سماحة السيد عبد السلام زين العابدين بشأن بعض الأسئلة المثارة بهذا الخصوص.
لننتقل الى تفاصيل الحكاية عبر محطة القصة.
ونستمر في تقديم البرنامج بفقرة من هدي الائمة (عليهم السلام) ورواية بالموضوع واخيرا مع باقة من الدروس المستفادة من قصة صلح الحديبية فتابعوا هذا البرنامج ونرجو ان يروق لكم.
المقدمة
تبدأ هذه السورة لتزف بشرى عظيمة للنبيّ (صلى الله عليه وآله) بشرى هي عند النبي طبقاً لبعض الرّوايات أحبّ إليه من الدنيا وما فيها إذ تقول الآية: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً".
وثمة كلام عريض وبحث طويل بين المفسّرين... حول المراد من هذا الفتح أي فتح هو؟!
فأكثر المفسرين يرون أنه إشارة إلى ما كان من نصيب للمسلمين من الفتح الكبير على أثر «صلح الحديبية».
وقد ظهرت آثاره في حياة المسلمين في فترة وجيزة، وفي فترة مديدة أيضاً... وذلك في انتشار الإسلام.... فتحاً يقل نظيره أو ينعدم نظيره في طول تاريخ الاسلام وعلى امتداده. بقلوب خاشعة نستمع الى تلاوة الايات التالية.
التلاوة
"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً(۱).
لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً(۲).
وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً(۳)."
المفردات
قوله تعالى: "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً ".
مستمعينا الكرام يرى بعض المفسرين أن المقصود من الفتح المبين هو «فتح مكة» وآخرون قالوا بأنه «فتح خيبر».
وآخرون قالوا إنه إشارة الى انفتاح أسرار العلوم على النبي (صلى الله عليه وآله) إلا أن قرائن كثيرة ترجح أن هذا الفتح هو ما يتعلق بموضوع صلح الحديبية.
إذ يتضح بمقايسة اجمالية بين حال المسلمين في السنة السادسة للهجرة«أي عند صلح الحديبية» وحالهم بعدها بسنتين حيث تحرّك المسلمون لفتح مكة بعشرة آلاف مقاتل ليردّوا على نقض عهد الصلح، وقد فتحوا مكة دون أية مواجهة عسكرية لأن قريشاً لم تجد في نفسها القدرة على المقاومة أبداً.
يتضح بهذه المقايسة الإجمالية- سعة ردّ الفعل- التي أحدثتها معاهدة صلح الحديبية!
ونستطيع القول ان صلح الحديبية كان بحق انتصاراً للإسلام وفتحاً للاسلام والمسلمين، فلا غرابة أن يعبر عنه القرآن بالفتح المبين! وثمة قرائن كثيرة تؤيد هذا التفسير.
عبارة- فتحنا- التي جاءت بصيغة الفعل الماضي تدل على أن هذا الأمر قد تحقق عند نزول الآيات في حين أنه لم يكن وقتئذ أي شيء سوى صلح الحديبية!
فترة نزول الآيات المشار إليها آنفاً والآيات الاخرى المذكورة في هذه السورة التي تمدح المؤمنين وتذم المنافقين والمشركين في صلح الحديبيّة كل ذلك شاهدٌ آخر على هذا المعنى.
هناك روايات كثيرة تعبّر عن صلح الحديبية بأنه«الفتح المبين»! ومن ضمنها ما ورد في تفسير«جوامع الجامع» أنه حين كان النبي راجعاً من الحديبيّة ونزلت عليه سورة الفتح... قال أحد أصحابه: ما هذا الفتح؟! لقد صددنا عن البيت وصدّ هدينا!
فقال النبي(صلى الله عليه وآله): "بئس الكلام هذا بل هو أعظم الفتوح قد رضي المشركون أن يدفعوكم عن بلادهم بالرواح ويسألوكم القضيّة! ورغبوا إليكم في الأمان وقد رأوا منكم ما كرهوا...".
ثمّ ذكر هم النبي(صلى الله عليه وآله) ما تحمّل المشركون من مساءة يوم بدر ويوم الأحزاب فصدّق المسلمون رسولهم على أن هذا أعظم الفتوح. يقول (الزهري) وهو من التابعين: لم يكن فتح أعظم من الحديبيّة وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير كثر بهم سواد الإسلام.
ففي هذه الأحاديث إشارة الى جانب من الإمتيازات التي حصل عليها المسلمون ببركة صلح الحديبية.
إلا أن حديثاً واحداً ورد عن الإمام الرضا(علي بن موسى) (عليه السلام) يقول: (إنا فتحنا) نزلت بعد (فتح مكة).
بيد أنه يمكن توجيه هذه الرواية ببساطة بالقول بأن صلح الحديبيّة كان مقدمة لفتح مكة بعد سنتين، فيرتفع الإشكال.
او بتعبير آخر أنّ(صلح الحديبية) كان سبباً لفتح خيبر في فترة وجيزة«في السنة السابعة للهجرة» وأوسع من ذلك كان سبباً لفتح مكة(في السنة الثامنة للهجرة) وانتصارات الإسلام في مجالات شتى من حيث النفوذ في قلوب العالمين!.
وبهذا يمكن الجمع بين التفاسير الأربعة مع هذا القيد وهو أن صلح الحديبيّة يشكل المحور الأصلي لهذه التفاسير!.
في هاتين الآيتين بيان للنتائج المباركة من«الفتح المبين» صلح الحديبية والتي ورد ذكره في الآية السابقة فتقول الآيتان: "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً* وَيَنصُرَكَ اللَّهُ نَصْراً عَزِيزاً".
وبهذا فأن الله منح نبيه الكريم في ظل هذا الفتح المبين أربع مواهب عظيمة هي (المغفرة)، و(إتمام النعمة)، و(الهداية) و(النصر).
زين العابدين: سؤال سياقي، ماعلاقة الفتح بالمغفرة؟ في مطلع سورة الفتح >"إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ" ما علاقة الفتح بغفران الذنب ليكون الاول تعليلاً للثاني بلحاظ ظهور اللام في التعليل "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ" هنالك عدة اتجاهات في عالم التفسير في الربط بين او في هذه العلاقة بين فتح مكة وبين مغفرة ذنب النبي"لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ" بعض الاتجاهات تقول يعني ذنب امته لاذنبه صلى الله عليه واله يعني ذنب الامة بأعتبار ان النبي يمثل قيادة الامة التي تتحمل معنوياً مسؤولية اعمال اتباعها، بعضهم قال ذنب ابويه آدم وحواء، بعضهم قال الذنب الفرضي التقديري لاالفعلي، بعضهم قال غفران ذنوب شيعة النبي صلى الله عليه واله وهم شيعة علي عليه السلام ولكن التفسير الاقرب للسياق والاقرب لعصمة النبي الاكرم صلى الله عليه واله وسلم لأن لدينا العصمة هي القرينة العقلية القطعية التي ينبغي ويجب او نؤول الظهور بحسب ما تقتضيه هذه القرينة العقلية وهي قرينة العصمة فيقول الذنب هو ما كانت تعتبره قريش ذنباً يعني "وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ" كما في قصة موسى عليه السلام في سورة الشعراء الاية الرابعة عشرة "ولهم علي ذنب فأخاف ان يقتلون" فموسى عليه السلام بالنسبة الى فرعون يعتبر مذنباً مجرماً كذلك الرسول الاكرم صلى الله عليه واله بالنسبة الى قريش تعتبره من اكبر المجرمين واكبر المفسدين لأنه افسد عليهم آلهتهم، افسد عليهم ضلالاتهم، طبعاً يعتبر النبي بنظر قريش من اكبر المفسدين فحينما تتحطم هذه القوة، قوة قريش وحينما تنهار هذه القوة كأن هذا العدو ذهب وزال والذنب الذي يعتبره مذنباً كأنه زال فلهذا عندنا هنا رواية عن علي بن الجهم يسأل فيها المأمون الامام الرضا عليه السلام حول آيات في عصمة الانبياء ومما جاء فيها فأخبرني عن قول الله عزوجل "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ" فأجابه الامام الرضا لم يكن احد عند مشركي مكة اعظم ذنباً من رسول الله صلى الله عليه واله لأنهم كانوا يعبدون من دون الله ثلاثمئة وستون صنماً فلما جاءهم بالدعوة الى كلمة الاخلاص كبر عليهم وعظم وقالوا "أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ" فلما فتح الله على نبيه صلى الله عليه واله مكة قال يامحمد "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً* لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ" عند مشركي مكة يعني الذنب عند مشركي مكة بدعاءك الى توحيد الله فيما تقدم وما تأخر لأن مشركي مكة اسلم بعضهم وخرج بعضهم عن مكة ومن بقي منهم لم يقدر على انكار التوحيد اذا دعا الناس اليه فصار ذنبه عليه في ذلك مغفوراً بظهوره عليهم، هذا ما قاله الامام الرضا للمأمون فقال المأمون لله درك يا ابا الحسن اذن هنا ليس ذنب النبي صلى الله عليه واله وانما ما تعتبره قريش ذنباً وطبعا في صلح الفتح المبين هو صلح الحديبية لأن صلح الحديبية هو كان السبب في فتح مكة لأن هذه العملية السياسية الرائعة، هذا الصلح مهد لفتح مكة ولهذا بأجماع المفسرين وان كانت الرواية تشير الى فتح مكة ولكن صلح الحديبية هو الذي مهد لفتح مكة وفي فتح مكة تحول الزعماء الى طلقاء "اذهبوا فأنتم الطلقاء" فلم تعد عداوتهم ضارة للنبي الاكرم وهم يعتبرونه مذنباً مجرماً فأن بفتح مكة وبصلح الحديبية زال هذا الذنب وزالت هذه العداوة حينما زال ملك قريش وحينما تحول الزعماء الى طلقاء بفضل صلح الحديبية الذي مهد الى فتح مكة كأن الذنب زال عن النبي ما تقدم وماتأخر.
تثار هنا أسئلة كثيرة دأب المفسّرون منذ زمن قديم حتى يومنا هذا بالإجابة على هذه الأسئلة! ومن هذه الأسئلة، الأسئلة الثلاثة التالية حول قوله تعالى لنبيّه: "لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ".ما المراد من العبارة الآنفة (لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ) مع أن النبي معصوم من الذنب؟!
وعلى فرض أن نغضّ النظر عن هذا الإشكال! فما علاقة المغفرة بالفتح وصلح الحديبية؟!
وإذا كان المقصود من قوله تعالى (وما تأخر) هو الذنوب المستقبلية! فكيف يمكن أن تكون الذنوب الآتية تحت دائرة العفو والمغفرة. أليس مثل هذا التعبير ترخيصاً لارتكاب الذنب؟!
القصة صلح الحديبية ۱
في السنة السادسة للهجرة النبوية وفي شهر ذي القعدة منها تحرّك النّبي نحو مكّة لأداء مناسك العُمرة ورغب المسلمين جميعاً في هذا الأمر.. غير أنّ قسماً منهم امتنع عن ذلك، في حين أنّ معظم المهاجرين والأنصار وجماعة من أهل البادية عزموا على الاعتمار مع النّبي فساروا نحو مكّة...
فأحرم هؤلاء المسلمون الذين كانوا مع النّبي وكان عددهم في حدود «الألف والأربعمائة» ولم يحملوا من أسلحة الحرب شيئاً سوى السيوف التي كانت تعدّ أسلحةً للسفر فحسب!
ولمّا وصل النّبي إلى «عسفان» التي لاتبعد عن مكّة كثيراً أُخبر أنّ قريشاً تهيّأت لصدّه وصمّمت على منعه من الدخول إلى مكّة. ولمّا بلغ النّبي الحديبيّة، وهي قرية على مسافة عشرين كيلومتراً من مكّة وسمّيت بذلك لوجود بئر فيها أو شجرة أمر أصحابه أن يحطّوا رحالهم فيها. فقالوا: يا رسول الله ليس هنا ماء ولا كلأ، فهيّأ النّبي عن طريق الاعجاز لهم ماءً من البئر الموجودة في تلك المنطقة.. وبدأ التزاور بين سفراء النّبي وممثليه وسفراء قريش وممثليها لتُحلّ المشكلة على أي نحو كان، وأخيراً جاء عروة بن مسعود الثقفي الذي كان رجلاً حازماً عند النّبي فقال له النبي: " إنّا لم نجيء لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين...". هذا وقد لاحظ عروة الثقفي، ضمناً حالة الأصحاب وهم يكتنفون نبيّهم عند وضوئه فلا يَدَعُون قطرةً تهوي إلى الأرض منه.
رجع عروة إلى قريش وقال: لقد ذهبت إلى قصور كسرى وقيصر والنجاشي فلم أرَ قائداً في قومه في عظمته كعظمة محمّد بين أصحابه.. ثم قال عروة لرجال قريش أيضاً: إذا كُنتم تتصورون أنّ أصحاب محمّد يتركونه فأنتم في خطأ كبير.. فأنتم في مواجهة أمثال هؤلاء الرجال الذين يؤثرون على أنفسهم فاعرفوا كيف تواجهونهم!؟
ثمّ أنّ النّبي أمر أحد اصحابه أن يمضي إلى مكّة ليطلع أشراف قريش على الهدف من سفر النّبي فاعتذر وقال إنّ بينه وبين قريش عداوة شديدة وهو منها على حذر فالأفضل أن يرسل آخرا ليبادر إلى هذا العمل، فمضى الآخر إلى مكّة ولم تمضِ فترة حتى شاع بين المسلمين خبر مفاده أنّ الاخير قد قُتل، فاستعد النّبي لأن يواجه قريشاً بشدّة! فطلب بتجديد البيعة من أصحابه فبايعوه تحت الشجرة بيعةَ سُمّيت «بيعة الرضوان» وتعاهدوا على مواصلة الجهاد حتى آخر نفس؛ إلاّ أنّه لم يمضِ زمن يسير حتى عاد الصحابي سالماً وأرسلت قريش على أثره سهيل بن عمرو للمصالحة مع النّبي غير أنّها أكّدت على النّبي أنّه لايدخل مكّة في عامه هذا أبداً.
وبعد كلام طويل تمّ عقد الصلح بين الطرفين وكان من موادّه أن يغض المسلمون النظر عن موضوع العمرة لذلك العام وأن يأتوا في العام القابل الى مكّة شريطة أن لايمكثوا في مكّة أكثر من ثلاثة أيّام وأن لايحملوا سلاحاً غير سلاح السفر.
وكان هذا العقد بمثابة عدم التعرض لكلا الجانبين ولحسم المعارك المستمرّة بين المسلمين والمشركين بصورة مؤقتة.
من هدى الائمة _عليه السلام_
عن أبي عبدالله الصادق(عليه السلام) قال: كان سبب نزول هذه الآية "إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً" هذا الفتح العظيم أن الله عزوجل أمر رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) في النوم أن يدخل المسجد الحرام ويطوف ويحلق مع المحلقين فأخبر أصحابه وأمرهم بالخروج فخرجوا. فلما نزل ذا الحليفة أحرموا بالعمرة وساقوا البدن وساق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستاً وستين بدنة وأحرموا من ذي الحليفة ملبين بالعمرة وقد ساق من ساق منهم الهدي معرات مجللات. فلما بلغ قريضاً بعثوا خالد بن الوليد في مائتي فارس كمينا يستقبل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فكان يعارضه على الجبال فلما كان في بعض الطريق حضرت صلاة الظهر فأذن بلال فصلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بالناس فقال خالد بن الوليد: لو كنا حملنا عليهم وهم في الصلاة لأصبناهم لأنهم لا يقطعون صلاتهم ولكن تجيء الآن لهم صلاة أخرى أحبّ إليهم من ضياء أبصارهم فإذا دخلوا في الصلاة أغرنا عليهم، فنزل جبرئيل على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بصلاة الخوف في قوله عزوجل: "وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ" الآية. قال: فلما كان في اليوم الثاني نزل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الحديبية، وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يستنفر الأعراب في طريقه فلم يتبعه أحد ويقولون: أيطمع محمدٌ وأصحابه أن يدخلوا الحرم وقد غزتهم قريشٌ في عقر ديارهم فقتلوهم، إنه لايرجع محمدٌ وأصحابه إلى المدينة أبدا.
دروس وعبر
*لايتحقق الفتح والنصر في ظل الحرب والجهاد وحسب بل ثمة نصرٌ يأتي من الله تعالى مباشرة وهذا ما أشارت إليه الآية المباركة« إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً».
*على القادة العسكريين والمجاهدين في سبيل الله ان لاينسوا انما حققوه من النصر والفتح في المعارك والحروب هو لم يكن إلا بالمدد الإلهي وتسديد منه تعالى.
*ان رسول الله مسدد من قبل الباري عزوجل وتحت رعايته دوماً لمخاطبة العبارات الاتية "فَتَحْنَا لَكَ"..."لِيَغْفِرَ لَكَ...""يَهْدِيَكَ"..."يَنصُرَكَ".
*هذه الايات تؤكد مرة أخرى ان لا مؤثر في الوجود الا الله تعالى.
*إن النصر والغلبة على الاعداء لم يكونا أبداً الهدف الغائي بل يعدّ ذلك بداية للغفران وإتمام النعمة الالهية " فَتَحْنَا، لِيَغْفِرَ، يُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ ".
لايريد الله ان يوصف حبيبه(صلى الله عليه وآله) بالمذنب حتى لو كان ذلك من قبل المشركين فالله تعالى يغفر لحبيبه.