بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله وحبيبه المبعوث رحمة للعالمين محمد وآله الطيبين الطاهرين. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأهلا بكم إلى برنامج القصص الحق. نحمد الله تعالى أن رزقنا اللقاء بكم الذي يجمعنا وإياكم حول نوره المبين وحبله الممدود من السماء إلى الأرض ونستنير معا بهدى القصص القرآنية، في هذه الحلقة سنطرق أبواب الحديث عن حكاية ولادة السيدة مريم العذراء عليها السلام، والتي تحدثت عنها الآيات ۳٥ حتى ۳۷ من سورة آل عمران، رافقونا مستمعينا الكرام في هذا البرنامج، وإليكم أولا استعراضا لمحطات البرنامج:
بداية نقدم لكم تلاوة مرتلة لهذه الآيات المباركة ثم نتعرف على معاني المفردات والعبارات القرآنية المذكورة فيها. ثم نستمع معا إلى حديث ضيف هذه الحلقة السيد عبد السلام زين العابدين وهو يجيب مشكورا على بعض الأسئلة التي تدور حول الآيات. لننتقل بعد ذلك إلى محطة الحكاية ونتابع تفاصيلها. ثم نغترف غرفة طيبة من معين علوم أهل البيت عليهم السلام في فقرة من هدي أهل البيت عليهم السلام، ورواية عن الإمام الباقر عليه السلام. وأخيرا مع باقة من الدروس والعبر المستقاة من هذه القصة القرآنية فأهلا بكم إلى هذا البرنامج.
المقدمة
تتحدث الآيات التالية حول مريم بنت عمران وكيفية ولادتها وتربيتها وكفالة زكريا النبي لها وما جرى لهذه السيدة العظيمة. والآن دعونا أيها الكرام نستمع إلى القرآن الكريم خير الكلام وهو يسرد لنا الحكاية بأعذب البيان.
التلاوة
"إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ{۳٥} فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ{۳٦} فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ{۳۷}"
المفردات
تبدأ الآية بالحديث عن نذر امرأة عمران وتقول: "إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً"، هذه إشارة إلى النذر الذي نذرته امرأة عمران وهي حامل بأنها تهب ابنها خادما في بيت المقدس، لأنها كانت تظنه ذكرا بموجب البشارة التي أتاها بها زوجها، ولذلك قالت (محررا) ولم تقل (محررة)، ويقصد من ذلك أنه محرر من خدمة الأبوين، وكان ذلك مدعاة لافتخارهم. ودعت الله أن يتقبل نذرها: "فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ"، قال الراغب في المفردات: (تقبل) يعني طلب قبول الشيء مع الثواب والجزاء وهذا خاص بالمصطلح القرآني، "فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى"، هذه الآية تشرح حال أم مريم بعد ولادتها، فقد أزعجها أن تلد أنثى، وراحت تخاطب الله قائلة: إنها أنثى، وأنت تعلم أن الذكر ليس كالأنثى في تحقيق النذر، فالأنثى لا تستطيع أن تؤدي واجبها في الخدمة كما يفعل الذكر، فالبنت بعد البلوغ لها ظروفها الخاصة، مضافا إلى أن قواها البدنية ضعيفة، وكذلك المسائل المربوطة بالحجاب والحمل وغير ذلك. "أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى".
ويظهر من القرائن في الآية والأحاديث الواردة في التفاسير أن هذا القول "وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى" قول أم مريم، لا قول الله كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين، ولكن كان ينبغي أن تقول (وليست الأنثى كالذكر) باعتبارها قد ولدت أنثى لا ذكرا، لذلك يمكن أن يكون في الجملة تقديم وتأخير، كما نلاحظه في كلام العرب وغير العرب، ولعل ما انتابها من الكدر والحزن لوضعها أنثى جعلها تنطق بهذا الشكل، إذ كانت شديدة الإعتقاد بأن ما ستلده ذكرا وأنها ستفي بنذرها في جعله خادما في بيت المقدس، وهذا الإعتقاد والتوقع جعلاها تقدم الذكر على الأنثى على الرغم من أن أصول تركيب الجمل وجنس المولود يقتضيان تقديم الأنثى. والجملة المعترضة "وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ" من قول الله، أي لم يكن يلزم أن تقول إنها ولدت أنثى، لأن الله كان أعلم منها بمولودها منذ انعقاد نطفته وتعاقب مراحل تصوره في الرحم. "وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ" ، يتضح من هذه الجملة أن أم مريم هي التي سمتها بهذا الإسم عند ولادتها، و(مريم) بلغتها تعني (العابدة)، وفي هذا يظهر منتهى اشتياق هذه الأم الطاهرة لوقف وليدها على خدمة الله، لذلك طلبت من الله بعد أن سمتها، أن يحفظها ونسلها من وسوسة الشيطان، وأن يرعاهم بحمايته ولطفه "وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ". وكلمة (أنبتها) إشارة إلى تكامل مريم أخلاقيا وروحيا، "فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا". (الكفالة) ضم الشيء إلى آخر، لذلك يطلق على من يلتزم رعاية شؤون أحد الأطفال إسم (الكافل) أو (الكفيل) أي إنه يضم الطفل إليه، إذا استعملت الكلمة ثلاثية مجردة كانت فعلا لازما، وتتعدى بنقلها إلى باب الثلاثي المزيد (كفّل) أي إنتخاب الكفيل لشخص آخر.
في هذه الآية يصرح القرآن بأن الله هو الذي اختار زكريا كي يتكفل مريم، إذ أن أباها عمران قد ودع الحياة قبل ولادتها، فجاءت بها أمها إلى بيت المقدس وقدمتها لعلماء اليهود وقالت: هذه البنت هدية لبيت المقدس، فليتعهدها أحدكم، فكثر الكلام بين علماء اليهود، وكان كل منهم يريد أن يحظى بهذا الفخر، وفي احتفال خاص اختير زكريا ليكفلها.
وكلما شبت وتقدم بها العمر ظهرت آثار العظمة والجلال عليها أكثر إلى حد يقول القرآن عنها: "كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً". (المحراب) هو الموضع الذي يخصص في المعبد لإمام المعبد أو لأفراد من النخبة، وذكروا في سبب تسميته بهذا الإسم أوجهاً كثيرة، أحدها: إن المحراب من (الحرب) سمي بذلك لأنه موضع محاربة الشيطان والأهواء. كبرت مريم تحت رعاية زكريا، وكانت غارقة في العبادة والتعبد. بحيث إنها كما يقول ابن عباس: عندما بلغت التاسعة من عمرها كانت تصوم النهار وتقوم الليل بالعبادة، وكانت على درجة كبيرة من التقوى ومعرفة الله، حتى أنها فاقت الأحبار والعلماء في زمانها، وعندما كان زكريا يزورها في المحراب يجد عندها طعاما خاصا، فيأخذه العجب من ذلك، سألها يوما: "قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ"
*******
زين العابدين: بسم الله الرحمن الرحيم، سؤال جميل ولطيف لأن النذر انه لايجوز للمرأة ان تنذر من دون اذن زوجها ولاسيما في امر ليس خاصاً بها او في امر ينافي حق الزوج في الاشتراك مع الولد هنا فلايصح نذر الزوجة فيما ينافي هذا الحق وهنا يتبين ان ام مريم عليها السلام كانت ارملة ولم يكن الزوج موجوداً وهذا ما يتبين من طبيعة سياق الايات المباركة وهذا ما تؤكده الروايات التي تقول بأن عمران مات وهي حامل يعني زوجة عمران كانت حاملاً فوضعت بعد ذلك وولدت مريم العذراء عليها السلام وكانت ترجو ان يكون هذا غلاماً لأن الله عزوجل وعد عمران ان يهب له ولداً طاهراً ذكياً نبياً فهي نذرت مافي بطنها ظناً منها انه ذلك الولد ولكن بعد ذلك عرفت ان الولد سيأتي من طريق اخر يعني البنت ولهذا قالت "إِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ" "إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" النذر الى المسجد او الى المعبد لاينسجم مع المرأة لأمور كثيرة واسباب كثيرة وانما ينسجم مع الولد، ينسجم مع الرجل ولهذا هي لم تعترض على ما جاءها من بنت بالعكس هي لم تكن تعيش الاعراف الجاهلية فقالت "رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَى وَاللّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى" هذا يبدو من كلام الله عزوجل وليس الذكر كالانثى او والله اعلم بما وضعت يعني من كلام الله عزوجل وليس الذكر كالانثى يعني هنا الانثى افضل من الذكر، لو كان كلام ام مريم لقالت وليس الانثى كالذكر ولكن قال وليس الذكر كالانثى يعني هنا الله يقول الذكر كالانثى والانثى هنا افضل من الذكر في هذه الحالة لأنه ستكون هناك معجزتان المعجزة الاولى مريم العذراء والمعجزة الثانية ولادتها للمسيح عليه السلام ولهذا هي قالت اني سميتها مريم يعني هي عرفت ان هذا الوليد الموعود لم يكن مباشرة من جنينها وانما من مريم العذراء فقالت "وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ " لهذا لم يكن بخصوص النذر السؤال، النذر هو ليس جائز ان لم يوافق الزوج ولكن عمران كان متوفى ومن حق الزوجة ان تنذر في هذه الحالة.
المحاور: ومن ثم ألم يكن عمران الذي كان نبياً وذا شخصية عظيمة لدى بني اسرائيل قادراً على ان يتكفل مريم ابنته بدل زكريا النبي عليه السلام؟
زين العابدين: احسنتم هذا اجبنا عليه تقريباً في الجواب الاول يعني عمران لم يكن موجوداً في الحياة، عمران عليه السلام توفي وكانت زوجته يعني ام مريم كانت حاملاً بمريم عليها السلام وهذا قد يظهر من سياق الايات المباركة " ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ" كما نقرأ في سورة آل عمران الاية ٤٤ "ذَلِكَ مِنْ أَنبَاء الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيكَ" يخاطب النبي الاكرم صلى الله عليه واله وبعد ذلك يقول له"وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ" هنا ايهم يكفل مريم يعني مريم هنا كانت يتيمة فليس لها اب واضح جداً والا كان لها اب طبعاً الاب هو الكافل، هو الحامي، هو الراعي للبنت، من هذه الايات يبدو ان عمران لم يكن موجوداً في الحياة ولهذا "إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ" هنا الاقلام بمعنى الاقداح للقرعة، الاقلام يعني يضربون بسهامهم لتعيين الكافل لمريم عليها السلام وكان جماعة من العلماء والاحبار وهذا يدل على حرصهم على كفالة مريم "وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ" يعني كانوا يختصمون يعني كل شخص يريد ان يكفل هذه البنت ليكون كافلاً لها معنى ذلك انهم يعرفون مدى قيمة هذه البنت وماذا سيؤول اليه امرها.
*******
نجد في هذه الآيات أن امرأة عمران تنذر أن تجعل وليدها محررا، أي يكون الوليد محررا من خدمة الوالدين. في حين لم نجد أي استشارة مع عمران الذي يكون أبا للوليد. السؤال هل يجوز للزوجة أن تنذر نذرا كهذا دون إذن من زوجها؟ ومن ثم ألم يكن عمران الذي كان نبياً وذا شخصية عظيمة لدى بني إسرائيل قادرا على أن يتكفل مريم ابنته بدل زكريا النبي عليه السلام؟.
القصة
قيل إن (حنة) و(أشياع) كانتا أختين، تزوجت الأولى (عمران) أحد زعماء بني إسرائيل، وتزوجت الأخرى (زكريا) النبي. مضت سنوات على زواج (حنة) بغير أن ترزق مولودا، وفي أحد الأيام بينما هي جالسة تحت شجرة، رأت طائرا يطعم فراخه، فأشعل هذا المشهد نار حب الأمومة في قلبها، فتوجهت إلى الله بمجامع قلبها طالبة منه أن يرزقها مولودا، فاستجاب الله دعاءها الخالص، ولم تمض مدة طويلة حتى حملت. وقد ورد في الأحاديث أن الله قد أوحى إلى عمران قبل ذلك أنه سيهبه ولدا مباركاً يشفي المرضى الميؤوس من شفائهم، ويحيي الموتى بإذن الله، وسوف يرسله نبيا إلى بني إسرائيل، فأخبر عمران زوجته حنة بالأمر، لذلك عندما حملت ظنت أن ما تحمله في بطنها هو الإبن الموعود، دون إن تعلم أن ما في بطنها أم الإبن الموعود (مريم)، فنذرت ما في بطنها للخدمة في بيت الله (بيت المقدس)، ولكنها إذ رأتها أنثى ارتبكت ولم تدر ما تعمل، إذ إن الخدمة في بيت الله كانت مقصورة على الذكور، ولم يسبق أن خدمت فيه أنثى، وبعد أن كبرت مريم قليلا، توجهت بها أمها إلى بيت المقدس لتفي بنذرها. وكان لابد أن يتولى كفالة (مريم) الصغيرة أحد الأحبار من رجال الدين الأتقياء المقيمين بالمسجد، ليرعاها ويحسن تربيتها ويقوم على شؤونها. وتنافس الأحبار على كفالة (مريم) ابنة العالم الجليل (عمران) وكان على رأس المتنافسين نبي الله زكريا عليه السلام فهو زوج خالتها، وأحق من غيره برعايتها وتعليمها. فاتفقوا على إجراء قرعة فيما بينهم لاختيار من يكفل (مريم) فلما جاءت من نصيب نبي الله (زكريا) عليه االسلام سعد النبي الكريم بذلك سعادة عظيمة، وخصص لها مكانا في المسجد لا يدخله أحد سواها، وأحسن تربيتها والعناية بها، فكانت تعبد الله تعالى وتسبحه ليلا ونهارا، حتى صار يضرب بها المثل في التقوى والصلاح، والإيمان الصادق العميق، وأكرمها الله تعالى بالكرامات التي تدل على تشريفه لها، وعلو منزلتها، فكان نبي الله (زكريا) كلما دخل عليها مكان عبادتها ليتفقد شؤونها ويطمئن على أحوالها، يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء وفاكهة الشتاء في الصيف، وحينما يسألها عن مصدرها، كانت تجيبه بإيمان وتواضع "مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
من هدى الائمة _عليه السلام_
ورد في تفسير العياشي عن الإمام الباقر (عليه السلام) ما ملخصه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) دخل يوما على ابنته فاطمة (عليها السلام) وهو يعلم أنه لم تكن تملك طعاما يذكر منذ أيام، فوجد عندها طعاما وافرا خاصا، فسألها عنه، فقالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام): "ألا أحدثك بمثلك ومثلها؟"قال بلى، قال: "مثل زكريا إذ دخل على مريم المحراب فوجد عندها رزقا، قال يامريم أنى لك هذا؟ أَنَّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللّهِ إنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
دروس وعبر
تشير العبارة القرآنية "فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" إلى أن قبول الأعمال من أهم الأمور التي تجول في خاطر الإنسان الذي يعمل لوجه الله تعالى. كما نجد هذا الأمر لدى إبراهيم النبي عندما يرفع القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا، أو مثل امرأة عمران التي تسأل الله أن يتقبل منها.
تؤكد الآية "وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ" أنه على الإنسان أن يهتم بمستقبل أحفاده أي الذرية وتربيتهم وأن لا يكتفي بالتربية فحسب بل يعيذهم بالله الواحد الأحد من الشيطان الرجيم.
يتضمن قوله تعالى "وَأَنبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً" نكتة لطيفة هي أن عمل الله هو (الإنبات) والإنماء. أي كما أن «بذور النباتات تنطوي على استعدادات كامنة تظهر وتنمو عندما يتعهدها المزارع، كذلك توجد في الإنسان كل أنواع الإستعدادات السامية الإنسانية التي تنمو وتتكامل بسرعة إن خضعت لمنهج المربين الإلهيين ولمزارعي بستان الإنسانية الكبير، ويتحقق الإنبات بمعناه الحقيقي.
إن اعتبار (الرزق) طعاما من الجنة، يتبين من القرائن التي نراها في ثنايا الآية، فأولاً، كلمة (رزقا) النكرة دليل على أن زكريا لم يعرف نوع هذا الرزق، وثانياً، جواب مريم التي قالت (من عند الله) دليل آخر. وثالثاً، انفعال زكريا وطلبه ولدا من الله (هنالك دعا زكريا ربه) دليل ثالث على ذلك.